آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

تبرأ عن الأضداد والأنداد ونزعته همة الخلة عن الجهات وخلصه تجلي صفة الجمال عن شبكة الوهم والخيال. فقال يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ وقد يدور في الخلد أن إبراهيم صلوات الله الرحمن عليه جن عليه ظلمة الشبهة فنظر أولا في عالم الأجسام فوجدها آفلة في أفق التغير فلم يرها تصلح للإلهية، فارتقى منها إلى عالم النفوس المدبرة للأجسام فرآها آفلة في أفق الاستكمال فكان حكمها حكم ما دونها فصعد منها إلى عالم العقول المجردة، فصادفها آفلة في أفق الإمكان فلم يبق إلا الواجب الحق. ومن الناس من حمل الكوكب على الحس، والقمر على الخيال، والشمس على الوهم والعقل، ومراده أن هذه القوى المدركة الثلاثة قاصرة متناهية القوة، ومدبر العالم قاهر لها مستول عليها وَحاجَّهُ قَوْمُهُ ليسبلوا ستور شبههم على شموس عرفانه، وقد هداني إليه بالعيان بعد توالي البرهان إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً من الخذلان وهذا محال لأنه وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فهو أعلم بأهل العرفان وبأصحاب الخذلان وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ بشرك الالتفات إلى غيره من الأكوان حتى قال لجبريل: أما إليك فلا وَتِلْكَ يعني إراءة الملكوت وشواهد الربوبية في مرآة الكواكب وصدق التوجه إلى الحق والتبري عما سواه والخلاص عن شرك الأنانية والإيمان الحقيقي بالعيان حتى ارتقى من الأفعال إلى الصفات ثم إلى الذات آتَيْناها إِبْراهِيمَ بذاتنا من غير واسطة حتى جعلها حجة على قومه نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بجذبات الألوهية عن حضيض الأنانية الله حسبي.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨٤ الى ٩٠]
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠)
القراآت:
وَالْيَسَعَ بتشديد اللام: حمزة وعلي وخلف. الباقون: بالتخفيف، اقْتَدِهْ بإشباع الهاء: ابن عامر الحلواني عن هشام مختلسة، وبحذف الهاء في الوصل:
سهل ويعقوب وحمزة وعلي وخلف. الباقون: بسكون هاء السكت على الأصل.
الوقوف:
وَيَعْقُوبَ ط كُلًّا هَدَيْنا ج لأن وَنُوحاً مفعول ما بعده، ولو وصل

صفحة رقم 111

التبس بأنه مفعول ما قبله مع اتفاق الجملتين وَهارُونَ ط الْمُحْسِنِينَ هـ لا للعطف وَإِلْياسَ ط مِنَ الصَّالِحِينَ هـ لا للعطف وَلُوطاً ط الْعالَمِينَ هـ لا للعطف.
وَإِخْوانِهِمْ ج لبيان أن قوله وَاجْتَبَيْناهُمْ يعود إلى قوله كُلًّا هَدَيْنا كقوله وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا [مريم: ٥٨] ولاحتمال الواو الحال أي وقد اجتبيناهم وذكر هديناهم بعده مُسْتَقِيمٍ هـ مِنْ عِبادِهِ ط يَعْمَلُونَ هـ وَالنُّبُوَّةَ ج بِكافِرِينَ هـ اقْتَدِهْ ط أَجْراً ط لِلْعالَمِينَ هـ.
التفسير:
لما حكى حجج إبراهيم صلوات الرحمن عليه في التوحيد والذب عن الدين الحنيفي عدّد وجوه نعمه وإحسانه عليه بعد نعمة إيتاء الحجة ورفع الدرجة فقال وَوَهَبْنا لَهُ باللفظ الدال على العظمة كما يقوله عظماء الملوك ليدل بذلك على عظم العطية، وذلك أنه جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من نسله وعقبه. قيل: وإنما لم يذكر إسماعيل مع إسحق وإن كان هو أيضا ابنه لصلبه، لأن المقصود بالذكر هاهنا أنبياء بني إسرائيل وهم بأسرهم أولاد إسحق ويعقوب، وأما إسماعيل فإنه ما خرج من صلبه أحد من الأنبياء إلا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ذكر محمد ﷺ في هذا المقام لأنه أمر محمدا أن يحتج على العرب بأن إبراهيم لما ترك الشرك وأصر على التوحيد شرفه الله بالنعم الجسام في الدين والدنيا، ومن جملة ذلك أن آتاه أولادا كانوا ملوكا وأنبياء، فإذا كان المحتج بهذه الحجة هو محمد امتنع أن يذكر نفسه في هذا المعرض، فلهذا السبب لم يذكر إسماعيل مع إسحق. أما قوله وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ فالمقصود منه بيان كرامة إبراهيم بحسب الآباء أيضا مثل نوح وإدريس وشيث، وأما الضمير في قوله وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ فقد قيل: إنه يعود إلى «نوح» لأنه أقرب ولأنه تعالى ذكر في جملتهم لوطا وهو كان ابن أخي إبراهيم وما كان من ذريته، بل كان من ذرية نوح، ولأن ولد الإنسان لا يقال إنه ذريته فعلى هذا إسماعيل ما كان من ذرية إبراهيم وكان من ذرية نوح، ولأن يونس عليه السلام لم يكن من ذرية إبراهيم على قول بعضهم. وقيل: الضمير عائد إلى إبراهيم لأنه هو المقصود بالذكر في هذا المقام. واعلم أن الله تعالى ذكر أربعة من الأنبياء وهم: نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب. ثم ذكر من ذريتهم أربعة عشر نبيا: داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى والياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا. فالمجموع ثمانية عشر. وأنه لم يراع الترتيب بينهم في الآية لا بحسب الفضل والشرف ولا بحسب الزمان والمدة، فاستدل العلماء بذلك على أن الواو لا تفيد الترتيب. وقال في التفسير الكبير: إن وجه الترتيب أنه تعالى خص كل طائفة من طوائف الأنبياء بنوع من الكرامة. فمن المراتب المعتبرة عند الجمهور الملك

صفحة رقم 112

والسلطنة وقد أعطى داود وسليمان من ذلك نصيبا عظيما، والمرتبة الثانية البلاء والمحنة وقد خص أيوب بذلك، والثالثة استجماع الحالتين وذلك في حق يوسف فإنه ابتلي أوّلا ثم أوتي الملك ثانيا. الرابعة قوّة المعجزات وكثرة البراهين والبينات وذلك حال موسى وهارون الخامسة الزهد الكامل كما في حق زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ولهذا وصفهم بأنهم من الصالحين. السادسة الأنبياء الذين ليس لهم في الخلق أتباع ولا أشياع وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط. وأما المراد بقوله كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا قيل: المراد الهداية إلى طريق الجنة بدليل قوله وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ فإن جزاء المحسن على إحسانه لا يكون إلا الثواب. وقيل: لا يبعد أن يقال: المراد الهداية إلى الدين والمعرفة لأنهم اجتهدوا في طلب الحق فجازاهم الله بالوصال والوصول كما قال وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: ٦٩] وقيل: إنها الإرشاد إلى النبوّة والرسالة لأن الهداية المخصوصة بالأنبياء ليست إلا ذلك، وهذا إنما يصح عند من جوز أن تكون الرسالة جزاء على عمل. واستدل بعضهم بقوله وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ على أن الأنبياء أفضل من الملائكة، وذلك أن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى فيدخل فيه الملائكة وكذا الأولياء. وقيل: فضلناهم على عالمي زمانهم فلا يتم الاستدلال. قال القاضي: ويمكن أن يقال: المراد وكل من الأنبياء يفضلون على كل من سواهم من العالمين. ثم الكلام في أن أي الأنبياء أفضل من بعض كلام آخر لا تعلق له بالأول. ثم قال وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ معطوف على كلًّا أي فضلنا بعض آبائهم. فالآباء هم الأصول، والذريات هم الفروع، والإخوان فروع الأصول. وفيه دليل على أنه تعالى خص كل من تعلق بهؤلاء بنوع من الشرف والكرامة. ثم إن قلنا المراد من الهداية الهداية إلى الثواب والجنة فقوله مِنْ آبائِهِمْ
وكلمة «من» للتبعيض يدل على أنه قد كان في آباء هؤلاء الأنبياء من كان غير مؤمن ولا واصل إلى الجنة، وإن فسرنا الهداية بالنبوة لم يفد ذلك إلا أنه يفيد أن لا تكون المرأة رسولا ولا نبيا وَاجْتَبَيْناهُمْ أي اصطفيناهم من جبيت الماء في الحوض وجبوته أي جمعته، ذلِكَ هُدَى اللَّهِ إشارة إلى معرفة التوحيد والتنزيه بدليل قوله وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ وفيه دليل على أن الهداية من الله تعالى وليس للعبد فيها اختيار. وفيه تهديد عظيم كقوله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: ٦٥] والغرض من ذلك زجر الأمة. أُولئِكَ يعني الأنبياء الثمانية عشر. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ولا بد بحكم العطف من تغاير الأمور الثلاثة. ووجه بأن الحكام على الخلق ثلاث طوائف: الحكام على بواطن الناس وهم العلماء، والحكام على ظواهر الخلق وهم السلاطين، والجامعون بين الأمرين وهم الأنبياء. فالأمور الثلاثة إشارة إلى هذه الأصناف الثلاثة. ومعنى إيتاء الكتاب الفهم

صفحة رقم 113

التام بما في هذا الجنس والعلم المحيط بحقائقه وأسراره. ولو قيل: المراد بالإيتاء الابتداء بالوحي والتنزيل كصحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى لم يشمل كل المذكورين لأنه تعالى ما أنزل على كل واحد منهم كتابا على التعيين. فَإِنْ يَكْفُرْ بِها أي بالأمور الثلاثة أو بالنبوة هؤُلاءِ يعني أهل مكة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ أي ليسوا كافرين بها ومن توكيلهم بها أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه. ومن القوم؟ قيل: كل مؤمن وقيل: أهل المدينة وهم الأنصار.
وقيل: هم والمهاجرون. وقال الحسن: هم الأنبياء الذين تقدم ذكرهم واختاره الزجاج لقوله عقيب ذلك أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وقال أبو رجاء: يعني الملائكة وضعف بأن اسم القوم قلما يقع على غير بني آدم. وفي الآية دلالة على أنه تعالى سينصر نبيه ويظاهر دين الإسلام على كل الأديان وقد وقع ما وعد وكان إخبارا بالغيب فصح إعجاز القرآن. وفيها استدلال للأشاعرة على أنه تعالى خلق قوما للإيمان ولو كان خلق الكل للإيمان والبيان والتمكين وفعل الألطاف مشتركا بين الكل لم يصح هذا التخصيص. أجاب الكعبي بأنه زاد المؤمنين من الألطاف ما لا يحصيه إلا الله، وبتقدير أن يستوي فإذا لم ينتفع به الكافر صح بحسب الظاهر أن يقال إنه لم يحصل له تلك الألطاف. ورد بأن الألطاف الداعية إلى الإيمان مشترك فيها بين الكافر والمؤمن، وبأن الوالد لما سوّى بين الولدين في العطية ثم إن أحدهما ضيع نصيبه فأي عاقل يجوّز أن يقول أحد إن الأب ما أنعم عليه وما أعطاه شيئا فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ من حذف الهاء في الوصل فعلى الأصل، ومن أثبتها في الوصل كما في الوقف أراد موافقة المصحف فإن الهاء ثابتة في الخط فكره مخالفة الخط في الحالين. وأما قراءة ابن عامر بكسر الهاء بغير إشباع فقال أبو بكر بن مجاهد: إنها غلط. وقال أبو علي الفارسي:
ليست بغلط ووجهها أن يجعل الهاء كناية عن المصدر الدال عليه الفعل. والتقدير: فبهداهم اقتد الاقتداء. وتقديم المفعول للاختصاص أي لا تقتد إلا بهم. ولا خلاف في أنه أمر لمحمد ﷺ بالاقتداء بالأنبياء المذكورين. إنما الكلام في تفسير الهدى. فمن الناس من قال: المراد الذي أجمعوا عليه وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به في الذات والصفات والأفعال. وقال آخرون: المراد به الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصه الدليل، وعلى هذا فيلزمنا شرع من قبلنا، وقيل: اللفظ مطلق فيحمل على الكل إلا ما خصه الدليل المفصل. وقال القاضي: هذا بعيد لأن شرائعهم مختلفة متناقضة ولا يمكن الإتيان بالأمور المتناقضة معا، ولأن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العمل، ودليل إثبات شرعهم كان مخصوصا بتلك الأوقات، ولأن منصبهم يلزم أن يكون أجل من منصبه وأنه باطل بالإجماع، وأجيب بأن العام يجب تخصيصه في الصورة المتناقضة فيبقى فيما عداها حجة، وبأن

صفحة رقم 114
غرائب القرآن ورغائب الفرقان
عرض الكتاب
المؤلف
نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
تحقيق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية