آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

فكيف حال الصنم من شجر أو مدر أو معدن أو طعام؟ ولعلكم يا كفار مكة تتعظون.
قال إبراهيم بعد هذا: إنى أسلمت وجهى مخلصا لله متوجها لذاته الكريمة بالعبادة والتقديس إذ هو الواحد الأحد الفرد الصمد، خالق الأكوان صاحب الملك والملكوت فاطر السماء والأرض، فالق الإصباح والنور، خالق الليل والنهار، رب الشمس والقمر.
ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، وإسلام الوجه: هو توجه الذات والقلب لله، وعبر به لأن الوجه أشرف عضو في الجسم وهو الشرفة التي تطل منها الروح.
وانظر في قصة إبراهيم حيث حاور وتلطف في القول، وهكذا الحكمة مع الخصم العنيد، فقال: لا أحب الآفلين، ثم قال ثانيا: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، وثالثا صرح بالبراءة من الشرك ومن المشركين إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ «١» ثم ذكر عقيدته بعد ما هدم أساس الشرك بالدليل حيث قال: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
محاجة إبراهيم لقومه [سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨٠ الى ٨٣]
وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)

(١) سورة الممتحنة آية ٤.

صفحة رقم 633

المفردات:
حاجَّهُ المحاجة تطلق على محاولة الخصم في إثبات الدعوى، وعلى رد دعوى الخصم، وهي بهذا حجة دامغة أو شبهة واهية. بِظُلْمٍ المراد به: الشرك لأنه الظلم الأكبر.
المعنى:
ها هو ذا إبراهيم قد جاء قومه بالحق، وأورد البينات من الحجج الدامغة والأدلة القاطعة، حيث تمشى معهم ونزل إلى مستواهم، وفي النهاية أثبت أن الذي فطر السموات والأرض هو المعبود بحق لا إله إلا هو.
وحاجة قومه بأوهى الحجج، وأتوا بشبهات هزيلة، لا تنهض دليلا إلا عند من ختم الله على قلوبهم وجعل على سمعهم وبصرهم غشاوة.
فقد قالوا: إنا نتخذهم آلهة تقربنا إلى الله، وتشفع عنده ونحن قد وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، وإياك يا إبراهيم والآلهة، احذرهم فإنا نخاف عليك منهم.
قال إبراهيم: أتحاجّونّي في الله؟! إن هذا لشيء عجيب، كيف ذلك؟ والله خلق السموات والأرض وله ملكوت لا يحيط به إلا هو، وهو القادر على كل شيء، وهذه الأصنام لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا ترى، بل هي مخلوقة لكم وإن يسلبها الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب.

صفحة رقم 634

أتحاجوني في الله وقد هداني إلى سواء السبيل، ولا أخاف هذه الأصنام أبدا فهي لا تنفع نفسها ولا غيرها ولا تضر، وكيف أخاف ما تشركون به ولا حول ولا قوة إلا بالله وأنا لا أخافهم في وقت من الأوقات إلا أن يشاء الله ربي وربكم لي شيئا من الضر فينزل بي ما يشاء كأن يقع علىّ صنم فيصيبني أو ينزل شهاب من السماء فيحرقنى، كل ذلك بمشيئة الله وحده! أما أن لهذه الأصنام شيئا في أنفسها أو في غيرها فهذا شيء لا يدور بخلد عاقل، ولا ينطق به إنسان كامل.
أعميتم فلا تتذكرون شيئا أصلا، حتى تسووا بين الخالق والمخلوق، وبين الإله واهب الوجود وبين الحجر أو الكوكب المخلوق.
عجبا لكم!! كيف أخاف آلهتكم التي ينادى العقل الحر بأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تخافون إشراككم بالله غيره وقد قامت الحجج العقلية والنقلية على أنه الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
وإذا كان هذا هو الواقع، فأينا أهدى سبيلا، وأحسن رأيا، وأقوم قيلا؟! وأحق بالأمن وعدم الخوف؟ إن كنتم من أهل العلم والعقل والفكر الحر فالذين آمنوا أحق الناس بالأمن والطمأنينة، لأنهم آمنوا بالله ورسله وسلكوا طريق العقل والحكمة ولم يخلطوا إيمانهم بظلم كالشرك، أولئك لهم الأمن الكامل التام في الدنيا والآخرة، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون،
روى البخاري ومسلم أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة «١» - رضوان الله عليهم أجمعين- وقالوا: أيّنا لم يظلم؟ فقرئ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «٢».
وتلك حجتنا القوية آتيناها إبراهيم حجة له على قومه، ولا غرابة في ذلك فالله يرفع من يشاء من عباده درجات بعضها فوق بعض، فهذه درجة الإيمان وأخرى درجة العلم وثالثة درجة الحكمة والتوفيق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء إن ربك عليم بخلقه.

(١) أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب ظلم دون ظلم حديث رقم ٣٢.
(٢) سورة لقمان آية ١٣.

صفحة رقم 635
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية