
{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في
صفحة رقم 133
ضلال مبين وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِءَازَرَ... ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدهما: أن آزر اسم أبيه، قاله الحسن، والسدي، ومحمد بن إسحاق، قال محمد: كان رجلاً من أهل كوتى قرية من سواد الكوفة. والثاني: أن آزر اسم صنم، وكان اسم أبيه تارح، قال مجاهد. والثالث: أنه ليس باسم، وإنما هو صفة سب بعيب، ومعناه معوج، كأنه عابه باعوجاجه عن الحق، قاله الفراء. فإن قيل: فكيف يصح من إبراهيم - وهو نبي - سبَّ أباه؟ قيل: لأنه سبّه بتضييعه حق الله تعالى، وحق الوالد يسقط في تضييع حق الله.
صفحة رقم 134
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ﴾ ذلك وذاك وذا: إشارات، إلا أن ذا لما قَرُبَ، وذلك لما بَعُد، وذاك لتفخيم شأن ما بَعُدَ. وفي المراد بملكوت السموات والأرض خمسة أوجه: أحدها: أنه خلق السموات والأرض، قاله ابن عباس. والثاني: مُلْك السموات والأرض. واختلف من قال بهذا فيه على وجهين: أحدهما: أن الملكوت هو المُلْك بالنبطية، قاله مجاهد. والثاني: أنه المُلْك بالعربية، يقال مُلْك وملكوت كما يقال رهبة ورهبوت، ورحمة ورحموت، والعرب تقول: رهبوت خير من رحموت، أي أن نُرْهَب خير من أن نُرْحَم، قاله الأخفش. والثالث: معناه آيات السموات والأرض، قاله مقاتل. والرابع: هو الشمس والقمر والنجوم، قاله الضحاك. والخامس: أن ملكوت السماوات: القمر، والنجوم، والشمس، وملكوت الأرض: الجبال، والشجر، والبحار، قاله قتادة. ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: من الموقنين لوحدانية الله تعالى وقدرته.
صفحة رقم 135
والثاني: من الموقنين نبوته وصحة رسالته. قوله عز وجل: ﴿فَلمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيلُ رَءَا كَوْكَباً﴾ قال مجاهد: ذكر لنا أنه رأى الزهرة طلعت عشاءً. ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ ومعنى جَنَّ عليه الليل، أي ستره، ولذلك سمي البستان جَنَة لأن الشجر يسترها، والجِنُّ لاستتارهم عن العيون، والجُنُون لأنه يستر العقل، والجَنِين لأنه مستور في البطن، والمِجَنّ لأنه يستر المتترس، قال الهذلي:
(وماء وردت قيل الكرى | وقد جنه السدف الأدهم) |

الأصنام، فإذا كان الكوكب والشمس القمر وما لم تصنعه يد ولا عَمِلَه بشر لم تكن معبودة لزوالها، فالأصنام التي هي دونها أولى ألاّ تكون معبودة. والخامس: أنه قال ذلك توبيخاً على وجه الإِنكار الذي يكون معه ألف الاستفهام وتقديره: أهذا ربي، كما قال الشاعر:
(رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع | فقلت وأنكرت الوجه هم هم) |
(مصابيح ليست باللواتي يقودها | نجوم ولا بالآفلات الدوالك) |