
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت، يا محمد، المشركين الذين يخوضون في آياتنا التي أنزلناها إليك، ووحينا الذي أوحيناه إليك، = و"خوضهم فيها"، كان استهزاءَهم بها، وسبَّهم من أنزلها وتكلم بها، وتكذيبهم بها (١) ="فأعرض عنهم"، يقول: فصد عنهم بوجهك، وقم عنهم، ولا تجلس معهم (٢) ="حتى يخوضوا في حديث غيره"، يقول: حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بآيات الله من حديثهم بينهم ="وإما ينسينك الشيطان"، يقوله: وإن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوضهم في آياتنا، ثم ذكرت ذلك، فقهم عنهم، ولا تقعد بعد ذكرك ذلك مع القوم الظالمين الذين خاضوا في غير الذي لهم الخوضُ فيه بما خاضوا به فيه. وذلك هو معنى"ظلمهم" في هذا الموضع. (٣)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٣٨٦ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره"، قال: نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في
(٢) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف ص: ٣٣٧، تعليق: ١، والمراجع كلها.
(٣) انظر تفسير"الظلم" في فهارس اللغة فيما سلف (ظلم).

آيات الله يكذبون بها، فإن نسي فلا يقعد بعد الذكر مع القوم الظالمين. (١)
١٣٣٨٧-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، أخبرنا معمر، عن قتادة بنحوه.
١٣٣٨٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا"، قال: الذين يكذبون بآياتنا.
١٣٣٨٩ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"، قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النبي ﷺ والقرآن فسبوه واستهزءوا به، فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وأما قوله:"وإما ينسينك الشيطان"، يقول: نَهْيَنَا فتقعد معهم، (٢) فإذا ذكرت فقم.
١٣٣٩٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"يخوضون في آياتنا"، قال: يكذبون بآياتنا.
١٣٣٩١ - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن ليث، عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أهل الخصومات، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
(٢) في المطبوعة: "يقول: نسيت فتعقد معهم"، وهو لا معنى له، وفي المخطوطة: "نهينا فتعقد معهم"، وهو مضطرب، واستظهرت صوابها من تفسير الآية فيما سلف. وقوله: "نهينا" مفعول قوله في الآية: "وإما ينسينك الشيطان"، وذلك على عادة أهل التأويل الأوائل في الاختصار.

١٣٣٩٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا"، وقوله: ﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [سورة الأنعام: ١٥٩] ؛ وقوله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [سورة آل عمران: ١٠٥] ؛ وقوله: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [سورة الشورى: ١٣]، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.
١٣٣٩٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا"، قال: يستهزئون بها. قال: نُهي رسول الله ﷺ أن يقعد معهم إلا أن ينسى، فإذا ذكر فليقم. فذلك قوله:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" = قال ابن جريج: كان المشركون يجلسون إلى النبي ﷺ يحبون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا، فنزلت:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم"، الآية. (١)
١٣٣٩٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا"، قال: يكذبون.
١٣٣٩٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك قوله:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره"، يعني المشركين ="وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"، إن نسيت فذكرتَ فلا تجلس معهم.
* * *