آيات من القرآن الكريم

۞ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ

قراءة: «يقضي الحق» بالضاد، من القضاء بمعنى الحكم والفصل بالقضاء، ورجّحها ابن جرير قال: «لأن الفصل بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقصيص، والحق عندئذ صفة لمصدر محذوف أي:
ليقضي القضاء الحق، والواو استئنافية أو حالية، وهو مبتدأ، وخير الفاصلين خبر (قُلْ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) الجملة مستأنفة لبيان أن الأمر راجع إلى الله تعالى، ولو شرطية. وأن وما في حيزها في محل رفع فاعل لفعل محذوف، تقديره ثبت، والجملة في محل نصب مقول القول، والظرف متعلق بمحذوف خبر أن المقدم، وما اسم موصول في محل نصب اسم أن المؤخر، وجملة تستعجلون صلة الموصول، وبه جار ومجرور متعلقان بتستعجلون، واللام واقعة في جواب لو، وقضي فعل ماض مبني للمجهول. والأمر نائب فاعل، والجملة لا محل لها لأنها جواب لشرط غير جازم، وبيني ظرف مكان متعلق بقضي، وبينكم ظرف أيضا معطوف على الظرف السابق (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) كلام مستأنف، والله مبتدأ، وأعلم خبر، وبالظالمين جار ومجرور متعلقان بأعلم.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٩]
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩)
اللغة:
(المفاتح) : جمع مفتح بكسر الميم، وهو المفتاح، وقرئ

صفحة رقم 129

مفاتيح. وقيل: مفاتيح جمع مفتاح، وهو الذي يتوصل به إلى ما في المخازن المتوثّق منها بالإغلاق. وقيل: هو جمع مفتح: بفتح الميم وكسر التاء، وهو المخزن، وزنا ومعنى.
الإعراب:
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) الكلام مستأنف مسوق لبيان أن الأمور الغيبية مختصة به سبحانه والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومفاتح الغيب مبتدأ مؤخر، وجملة لا يعلمها في محل نصب على الحال من مفاتح، والعامل فيها الاستقرار الذي تعلق به الظرف، وإلا أداة حصر، وهو فاعل أو تأكيد للفاعل المستتر، ولعله أولى (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) الواو استئنافية، وما نافية، ويعلم فعل مضارع، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به وفي البر جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة «ما» والبحر عطف على البر، والواو حرف عطف وما نافية، وتسقط فعل مضارع مرفوع، ومن حرف جر زائد، وورقة مجرور لفظا بمن مرفوع محلا على أنه فاعل تسقط، وإلا أداة حصر، وجملة يعلمها حال من ورقة. وجاء الحال من النكرة لاعتمادها على النفي (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) الواو حرف عطف، وحبة معطوفة على ورقة بالجر لفظا، ولو قرئ «حبة» بالرفع بالعطف على المعنى لجاز، ولا رطب ولا يابس عطف على ورقة أيضا، وإلا أداة حصر، وفي كتاب جار ومجرور وهو تكرار لقوله: إلا يعلمها، على أنه بدل اشتمال، فهو في محل نصب على الحال.

صفحة رقم 130

البلاغة:
اشتملت هذه الآية على ضروب من البلاغة نلخصها فيما يلي:
١- الاستعارة التصريحية في قوله: «مفاتح الغيب»، كأن للغيب مفاتيح بيده تعالى يكشف بها ما غمض على الناس.
٢- الاستعارة التصريحية في قوله: «ظلمات» لشدائد البر والبحر وأهوالهما التي تبطل الحواس وتدهش العقول، لأن الظلمات تبطل حاسة البصر، ومن ثم قيل لليوم الشديد العصيب: يوم مظلم، ويوم ذو كواكب، لأن الكواكب لا تظهر إلا في الظلمة، على طريق الاستعارة التصريحية.
٣- الطباق بين البر والبحر، والرطب واليابس، فهي مقابلة.
٤- التكرير في قوله: «إلا يعلمها»، وفي قوله: «إلا في كتاب مبين»، لأنه بمثابة «إلا يعلمها»، وفائدة هذا التكرير التطرية لما بعد عهده، لأنه لما عطف على «ورقة» بعد أن سلب الإيجاب المقصود للعلم في قوله: «إلا يعلمها» وكانت هذه المعطوفات داخلة في إيجاب العلم، وهو المقصود، وبعد ارتباط آخرها بالإيجاب السالف، كان ذلك جديرا بتجديد العهد بالمقصود، ثم كان اللائق بالبلاغة المألوفة في القرآن التجديد بعبارة أخرى، ليتلقّاها السامع غضّة جديدة غير مملولة بالتكرير.
٥- حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي: وهو أن يأتي المتكلم إلى نوع ما فيجعله بالتعظيم له جنسا بعد حصر أقسام الأنواع منه

صفحة رقم 131

والأجناس، فإنه سبحانه بعد أن أخبر بأن عنده مفاتيح كلّ غيب، إذ اللام للجنس ها هنا مجملا في القول، تمدّح بأنه يعلم ما في البر والبحر من أصناف الحيوان والنبات والجماد، وحاصر الكليات المولدات، ورأى سبحانه أن الاختصار على ذلك لا بكمل به معنى التمدح لاحتمال أن يظنّ ضعيف أنه يعلم الكليات دون الجزئيات، فإن المولدات الثلاث- وإن كانت جزئيات بالنسبة إلى العالم- فكل واحد منها كليّ بالنسبة الى ما تحته من الأجناس المتوسطة والأنواع وأصنافها، فقال لكمال التّمدّح: «وما تسقط من ورقة إلا يعلمها»، وعلم أن علم ذلك قد يشاركه فيه من مخلوقاته كل من خلق له إدراكا وهداه إلى طريق ذلك. فشارك فيه فتمدح بما لا يشارك فيه بقوله:
«ولا حبة في ظلمات الأرض»، ثم ألحق هذه الجزئيات بعد حصرها بالكليات حيث قال: «ولا رطب ولا يابس» لأن جميع المولّدات وعناصرها التي تولدت منها- ما كان منها في باطن الأرض وما خرج الى ظاهرها- لا يخرج عن هذين القسمين. وألغى ذكر المعتدل فإنه ممتزج من هذين القسمين. فاستغنى بذكر الأصل عن الفرع. ثم قال: «إلا في كتاب مبين» إشارة إلى أن علمه بذلك علم من معلومه مفيد في كتاب مبين. فهو يأمن الضلال والنسيان.
نماذج شعرية:
وقال أبو الطّيّب المتنبي رامقا هذه السّماء العالية من البيان:

صفحة رقم 132

فقد قصد تعظيم ممدوحه، فجعل منزلة الّذي هو الجزئي كلّيّا.
وهو الدنيا، وجعل ذاته التي هي جزئية كلية، وهي الخلائق، فجعل الجزئيّ كلّيّا. وأما حصر أقسام الجزئيّ فلان العالم إما حيوان بجسمه وعرضه، والمنزل شامل لهما، ومثله لأبي الفرج الببغا:

هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق
ما بأرض لم تبد فيها صباح ما بدار حللت فيها ظلام
وإذا ما أقمت في بلد فه ي جميع الدّنيا وأنت الأنام
فقد حصر جميع أقسام الجزئيّ بالطّريقة التي ذكرناها، وألحقه بالكليّ. وقال أبو الحسن السّلاميّ:
إليك طوى عرض البسيطة جاعل قصارى المطايا أن يلوح لها القصر
فكنت وعزمي والظّلام وصارمي ثلاثة أشباه كما اجتمع النسر
فسرت بآمالي لملك هو الورى ودار هي الدّنيا ويوم هو الدهر
والبيت الأخير هو المراد، فقد أراد الشاعر تعظيم ممدوحه، وتفخيم أمر داره التي قصده فيها، وتبجيل يومه الذي لقيه، فجعل الممدوح جميع الورى، وجعل داره التي قصده فيها كل الدنيا، وجعل

صفحة رقم 133
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية