
مَلَكٌ»
أقوى على ما لا يقواه البشر لأفتك بكم أي لا أدعي الإلهية ولا الملكية ولا الغنى ولهذا فلا يفهم من معنى هذه الآية أن الملك أفضل من الرسول راجع الآية ٣٠ من سورة هود المارة وإنما أنا بشر مفتقر إلى الله في كل أموري «إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ» فأعمل به وأخبركم وأدعوكم للعمل به لا غير «قُلْ» لهم يا سيد الرسل «هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ» الضال والمهتدي «أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ ٥٠» في عدم التسوية بينهما تدل هذه الآية الكريمة على أن حضرة الرسول ما كان مجتهدا في شيء من الأحكام بل كان يتبع وحي الله فقط فيعمل به وهو الصحيح لأنه لا ينطق عن هوى، وسبب نزول هذه الآية الرد على الكفرة الذين يقترحون على الرسول إنزال الآيات السماوية ليصدقوه فأمره الله تعالى أن يقول لهم ما ذكره في هذه الآية حسما للباب،
قال تعالى «وَأَنْذِرْ بِهِ» بما أوحي إليك من لدنا «الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ» المقرين بالبعث وخص المؤمنين مع أن إنذاره عليه السلام عام لجميع الخلق لأن الحجة على هؤلاء أولى من غيرهم، والمراد بالحشر المحل الذي يريده الله تعالى لجمع الخلق وهو الموقف لا إليه ذاته جلت عن المكان فلا حجة في هذه الآية إلى المجسمة القائلين إن إلى (في إِلى رَبِّهِمْ) تفيد الغاية إلى المكان فيكون تعالى شأنه مختصا بمكان تنزه عن ذلك.
هذا ويدخل في حكم هذه الآية المجوزون للحشر سواء كانوا جازمين بأصله كأهل الكتاب، وبعض المشركين المترددين في شفاعة آبائهم الأنبياء كالأولين المعترفين بالبعث بعد الموت أو في شفاعة الأصنام كالآخرين المجوزين للحشر الجازمين فيه من أهل الكتاب وبعض المشركين أي المترددين بهما معا كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم أنهم إذا سمعوا بحديثه يخافون أن يكون حقا، وأما المنكرون للحشر رأسا والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم أو بشفاعة الأصنام فهم خارجون عمن أمر بإنذارهم هكذا، قال شيخ الإسلام أما ما قيل إن المراد بهم المؤمنون المفرطون أو الكافرون معا بداعي أن الكل يخاف الحشر لأن الرسول مبعوث للكل فهو وجيه إلا أن سياق الكلام لا يساعده وسباقه ينافيه ومما يرد القول الأخير قوله تعالى «لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ» أي الله «وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ» يشفع لهم

أو يواليهم لأن الشفاعة لا تكون إلا لمن يأذن الله له بها قال تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الآية ٢٥٥ من البقرة في ج ٣، والكافرون ليس لهم ولي ولا شفيع لقوله تعالى (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) الآية ١٨ من سورة غافر الآتية وعلى هذا فلا يدخلون في مضمون هذه الآية، أما المؤمنون المذنبون فتشفع لهم أنبياؤهم والملائكة والأولياء أيضا فيدخلون في مضمونها دخولا أوليا والله أعلم.
هذا وإنما أمر الله تعالى رسوله أن يتقدم لمثل هؤلاء بالإنذار رحمة بهم «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ٥١» الكفر ودواعيه فيدخلون في زمرتهم، ولما أمر الله غير المتقين ليتقوا أمر بتقريب المتقين إليه وأن لا يقصيهم عن مجلسه فقال عز قوله «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ» إرضاء للكفرة الذين يأنفون مجالستهم فإياك إياك أن تفعل ذلك، وتشعر هذه الآية بالثناء على هؤلاء المذكورين فيها لمواصلتهم ذكر الله ومواظبتهم على عبادته صباح مساء ولذلك وصفهم بالإخلاص المستفاد من قوله جل قوله «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» ذاته المقدسة بدعائهم لا غير وهؤلاء يا حبيبي «ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» لأن حسابهم على الله وحده «وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ» لأن حسابك أيضا على الله وذلك أن المشركين طعنوا في دين هؤلاء وإخلاصهم على حد قوله تعالى حكاية عن قوم نوح عليه السلام (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) الآية ٢٧ من سورة هود المارة فأخبره الله تعالى بأنك لا تكلف أمرهم كما هم لم يتكلفوا أمرك لأن وظيفة الرسل النظر إلى ظواهر الأمور وتفويض البواطن إلى الله أي ليس لك يا محمد أن تطردهم بداعي أن إيمانهم غير خالص لأنك لا تعلم ما في قلوبهم، ولهذا حذّره بقوله «فَتَطْرُدَهُمْ» وتبعدهم عنك وهذا جواب ما عليك أي إن طردتهم وأجبت رغبة الكفرة «فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ٥٢» نفسك بإبعادهم عن مجلسك بل عليك أن تقربهم وتدنيهم منك لمجرد تقواهم وطاعتهم لا أن تبعدهم فتظلمهم اتباعا لقول أعدائهم، قال تعالى «وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» أي اتباع الرسل قبلك ففتنة الغني بالفقير والشريف بالوضيع والصحيح بالمريض هي الأنفة منهم وبالعكس هي الحسد لأن الفقير يرى سعة الغني وخصب عيشه والمريض يرى تمتع

الصحيح بالعافية والراحة، والوضيع يرى مرح الشريف وكبير جاهه وان الأشراف والأغنياء والمعافين يرون تقدم أولئك عليهم عند الأنبياء بسبب إسلامهم وإيمانهم وهم يأنفون مجالستهم فيمتنعون من الإيمان فيبقون مفتتنين ببعضهم وانهم «لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» بالإيمان والقرب من الرسل «مِنْ بَيْنِنا» ونحن أفضل منهم وأقدم وأحسن لأنهم لا مكانة لهم ولا مال ولا حسب وهذا اعتراض على الله ولذلك رد عليهم بقوله عزّ قوله «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ٥٣» نعمه من خلقه بلى هو أعلم بذلك، واعلم أن سبب المنة عليهم شكرهم وسبب حرمان الآخرين كفرهم وما منعهم أن يكونوا مثلهم إلا عدم إيمانهم بالله وعدم شكرهم أفضاله عليهم إذ صرفوا جوارحهم إلى ما لم تخلق لها، ثم إن الله أمر رسوله بإكرام المؤمنين مهما كانوا فقراء أو ضعفاء أو مرضاء بقوله جل قوله «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا» أمثال أولئك المذكورين في الآية السابقة المتطهرين بالإيمان بنا لأنهم مؤمنون حقا «فَقُلْ» لهم يا سيد الرسل على رغم أنف أولئك المتطاولين بنعمتنا عليهم «سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» لكم أي بشرهم بقبولهم عند الله وعدهم برحمته وعدا مؤكدا لأن كتب بمعنى وجب وهو لا وجوب عليه وإنما قال كتب لزيادة التأكيد برحمتهم تفضلا منه وقل لهم يقول الله تبارك وتعالى «أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ» أيها المؤمنون «سُوءاً» ذنبا «بِجَهالَةٍ» به عن غير قصد ولا يعلم ما ينشأ عنه من المضرة وما ينتج عن فعله «ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ» نفسه وتباعد عن اقتراف مثله «فَأَنَّهُ غَفُورٌ» ستار له لا يفضحه به في الدنيا ولا يعاقبه في الآخرة «رَحِيمٌ ٥٤» بعباده التائبين لأن الذنب مهما كان إذا لم يكن تعمدا أو مضرا بالغير فهو للرحمة قريب وللعفو عنه أقرب، وسبب نزول هذه الآيات من وأنذر ألى هنا ما روي عن سعد ابن أبي وقاص قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلّى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عليه ولا تطرد إلخ الآيات أخرجه مسلم. وجاء عن عكرمة وابن مسعود
صفحة رقم 347
والكلبي ما بمعناه، وهذا أولى من قول من قال إن هذه الآيات نزلت في سلمان وجماعة من فقراء المسلمين لأن سلمان رضي الله عنه أسلم بالمدينة وهذه السورة مكية وليست هذه الآيات من
المستثنيات منها وأولى من قول من قال إنها نزلت في المؤلفة قلوبهم المنوه بهم في قلوله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) الآية ٤٩ من سورة الكهف الآتية وهي مدنية وكان إسلام هؤلاء بعد فتح مكة وهذه الآيات التي نحن بصددها نزلت قبل الهجرة في مكة وبينهما بعد عظيم وفرق كثير قال عكرمة فكان صلّى الله عليه وسلم إذا رأى الذين نهى عن طردهم بدأهم بالسلام امتثالا لأمر الله له بذلك وقيل إن الآية الأخيرة أي وإذا جاءك إلخ نزلت في عمر رضي الله عنه لأنه قيل إنه قال لحضرة الرسول حينما طلب منه المشركون طرد أولئك الأبرار لو أجبتهم لما قالوا لعل الله يأتي بهم (وهذا الذي وقع في نفس رسول الله المذكور بالحديث المروي عن سعد بن أبي وقاص) ولم يعلم المضرة الناتجة عن كلامه هذا وعدم رضاء الله بها ثم إنه صار يبكي وقال معتذرا ما أردت إلا خيرا ولكن المقرر أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب فالقول بإطلاق هذه الآية على كل مؤمن أولى وأنسب بالمقام ويدخل فيها السيد عمر وغيره دخولا أوليا «وَكَذلِكَ» مثل ما قصصنا لك هذا وبيناه «نُفَصِّلُ الْآياتِ» بذكر أوصاف المطيعين والعاصين «وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ٥٥» الذين صاروا إلى النار يوم القيامة ليظهر لك الحق الذي أنت عليه وأصحابك والبطل الذي عليه أعداؤك، وقرئ الفعل بالياء لأن السبيل تذكر وتؤنث قال تعالى (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) الآية ١٤٥ من الأعراف المارة في ج ١ وقال تعالى (يَبْغُونَها عِوَجاً) الآية ٤٤ منها فالتذكير على لغة تميم والتأنيث على لغة الحجاز وهو بالرفع كأنه قال ليظهر الحق وليستبين سبيل إلخ وحذف المعطوف عليه من المحسنات البديعة وقرىء بنصب سبيل على المفعولية على أن يعود الفاعل لحضرة الرسول ويكون المعنى سايرهم حتى تستوضح طريقهم وإذ ذاك تعاملهم على ما يليق بهم في الدنيا ومرجعهم إلينا في الآخرة فنعاملهم على ما عاشوا عليه «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» من الأوثان كافة، لأن أدلة العقل

وأدلة السمع تأبى ذلك، وهذه الآية رد على المشركين الذين يكلفون حضرة الرسول اتباع دينهم دين آبائهم، وقطع لأطماعهم الفارغة لأنها عبارة عن هوى أنفسهم وضلال صرف محض ولذلك نهى عنه رسوله صلّى الله عليه وسلم بقوله «قُلْ لا أَتَّبِعُ» في هذا ولا في طرد المؤمنين «أَهْواءَكُمْ» النفسية البحتة «قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً» إن أنا فعلت أو ملت لشيء من ذلك «وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ٥٦» بهداية ربي وفيها إشارة الى أنهم هم الضالون عن الهدى «قُلْ إِنِّي» فيما أنا عليه «عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» وبصيرة ظاهرة ناصعة لأني في طاعته وعبادته «وَكَذَّبْتُمْ بِهِ» على غير بيّنة تبعا لهدى أنفسكم فأشركتم به غيره ما لا يستحق العبادة وإذا دمتم على هذه ولم تقلعوا عنه فأنذركم عذاب الله فقالوا له ائتنا بما تعدنا به من العذاب إن كنت صادقا لنصدقك فأوحى الله إليه أن يقول لهم «ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ» من العذاب ولا أقدر على إنزاله «إِنِ الْحُكْمُ» في إنزاله حالا أو تأخيره لأجل معلوم عنده لا يكون «إِلَّا لِلَّهِ» وحده وهو «يَقُصُّ الْحَقَّ» يبرمه وقرىء يقض والمعنى واحد لأن القضاء قول مبرم وهذه من القراءات الجائزة إذ لا تبديل فيها بالمعنى واللفظ عبارة عن تصحيف في النقط لأن الصاد أخو الضاد وقد ذكرنا غير مرة أن القراءة الغير جائزة وهي التي فيها تبديل كلمة أو حرف مباين أو زيادة أو نقص شيء من ذلك «وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ٥٧» بين الحق والباطل إذ لا يقع في حكمه جور ولا حيف، يا أكرم الرسل إذا ألح عليك قومك بطلب إنزال العذاب «قُلْ» لهم «لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ» لأوقعته عليكم حالا وما أمهلتكم به وقد رأيت منكم ما رأيت يدل على هذا قوله «لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» لأني بشر وقد نفد صبري عليكم لولا أن الله يأمرني بالصبر ولأوقعته عليكم غضبا لله الذي قابلتم نعمه بالجحود لا تشفيا لنفسي ولكنه بيده وهو صبور لا يستفزه الغضب وهو حليم لا يعجل بالعقوبة «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ٥٨» أمثالكم هل تعجيل العذاب أصلح لهم أو تأخيره وهو أعلم بالوقت والمحل الذي ينزله عليكم بهما ونوع العذاب الذي تستحقونه
وما أنتم عليه من الحال «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ» بفتح الميم جمع مفتح اي المخزن وعليه يكون المعنى

خزائن الغيب أما إذا كان جمع مفتح بكسر الميم فإنه تعالى جعل للغيب مفاتيح على طريق الاستعارة لأن المفاتيح يتوصل بها إلى ما في الخزائن المغلوقة بالأقفال فالذي يعلم تلك المفاتيح وكيفية استعمالها يمكنه أن يتوصل إلى الخزائن بها المدخرة فيها ولما كان جل جلاله عالما بجميع المعلومات عبر عن هذا المعنى بذلك وعليه يكون المعنى المراد أن العلم بالغيب عنده وحده لا يشاركه فيه أحد، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مفاتيح الغيب خمسة وتلا قوله تعالى عنده علم الساعة إلخ الآية الأخيرة من سورة لقمان الآتية، وروي نحوه عن ابن مسعود، وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عمر مثله، والآية عامة تشمل بإطلاقها جميع ما غاب عن العباد من آجال وأحوال وعذاب وثواب وغير ذلك «لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» وحده إذ انفرد جل جلاله بعلمه «وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» من نبات وحيوان وجواهر ومعادن ومفاوز وقفار وقرى وأمصار وجزر وأنهار مما علمه البشر وما لا يعلمه «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ» من جميع الأشجار والنبات «إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ» تسقط من كافة أصناف الحبوب مما يخصّ الإنسان والحيوان والطير والحوت «فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ» إلا يعلمها أيضا وسكت عما في ضياء الأرض لأن الذي يعلم ما في ظلماتها فهو لما في ضيائها أعلم وهو جل جلاله لا فرق عنده بين الظلمة والنور ويعلم تلك الورق قبل نباتها وبعده ومن هي رزقه وما يصير منها وما هو مقداره «وَلا رَطْبٍ» من ماء وحي «وَلا يابِسٍ» من أرض وميت أي أنه يعلم كل الأشياء لأنها إما أن تكون رطبة أو يابسة وهي إن كانت داخلة في قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب إلا أن ذلك على طريق الإجمال وهذا على طريق التفصيل والتفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس ولذلك عد من أبواب البديع في الكلام «إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ٥٩» ظاهر وكل شيء فيه ثابت مدون مما كان ومما سيكون قبل خلق السموات والأرض وإلى آخر الكون وما بعده في الآخرة «وَ» اعلموا أيها الناس أن ذلك الإله العظيم الموصوف بما ذكر من صفات الكمال والقدرة «هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ» يميتكم فيه لأن النوم وفاة لما بينها وبين الموت من المشاكلة في زوال الإحساس
صفحة رقم 350