آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ

ومحو آثارهم، وأصبح الحمد لله والشكر له واجبا لأن إبادة القوم المفسدين نعمة من الله ربّ العالمين، وأن في الضّراء والسّراء عبرة وعظة للناس، وإنما يتذكر أولو العقل والألباب. وهذا دليل على أن حمد الله ينبغي أن يختم كل فعل وكل مقالة، لا إله غيره، ولا ربّ سواه.
روى الطبراني والبيهقي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك منه استدراج».
الاحتجاج على الكفار لإثبات التّوحيد
هناك أدلّة كثيرة على قدرة الله ووحدانيّته، منها ما نشاهده في هذا الكون من مشاهد ناطقة بوجود الله وقدرته وتوحيده، ومنها سلب وسائل المعرفة والحس والإدراك، وتسليط العذاب الشامل بغتة على الظلمة. غير أن الإنسان الواعي يتأمل في مقدورات الله، فيؤمن بالله ربّا واحدا، ويصدّق برسالات الرّسل الدّالة على الخير، والمنفّرة من الشّر. قال الله تعالى:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٦ الى ٤٩]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)
«١» «٢» «٣» »
«٥» [الأنعام: ٦/ ٤٦- ٤٩].

(١) أخبروني.
(٢) نكررها بأوجه مختلفة.
(٣) أي يعرضون عن ذلك.
(٤) أخبروني.
(٥) معاينة.

صفحة رقم 550

هذه الآيات ابتداء احتجاج على الكفار بأدلّة قريبة حسّية تثبت قدرة الله ووحدانيته، والله تعالى هو المحتجّ المبرهن، والوسيط هو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأسلوب ذلك: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذّبين المعاندين: أخبروني عما تفعلون، إن سلبكم الله نعمة السّمع والبصر والفؤاد، فتصيرون صمّا عميا بلها، لا تسمعون قولا، ولا تبصرون طريقا، ولا تعقلون نفعا ولا ضررا، وتنغلق قلوبكم، فلا تنفذ إليها هداية الله، ولا تعقل الأمور، ماذا تفعلون مع آلهتكم التي تعبدونها؟ أكنتم تدعونها لكشف الضّرّ عنكم، وترجون شفاعتهم لو فعل الله بكم ذلك، أم كنتم تدعون الله ليردّ عليكم السمع والبصر والفؤاد؟! معنى هذا الاستفهام أنه ليس هناك إله سواه، فما بال تعلّقكم بالأصنام وتمسّككم بها، وهي لا تدفع ضررا ولا تأتي بخير؟ انظر أيها النّبي وكل عاقل، كيف نقلّب الآيات ونكررها على أساليب متعددة ووجوه مختلفة لإقناعهم بوحدانية الله، ثم هم يعرضون عن دلالاتها وإشاراتها، ويبقون في ضلالهم سادرين منغمسين، ولا يتأملون في الآيات بعين مبصرة بعيدة عن التقليد والعصبية.
قل لهم على سبيل الوعيد والتّهديد: أخبروني إن أتاكم عذاب الله فجأة من غير شعور ولا مقدمات، كما أتى الذين من قبلكم من المكذّبين كالخسف والغرق والزّلزال، أو أتاكم العذاب جهارا نهارا وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه، أخبروني ماذا أنتم فاعلون؟ هل يهلك بهذا العذاب الشامل إلا القوم الظالمون أنفسهم بالشّرك والاعتقاد الباطل، وأصرّوا على الكفر والعناد؟! ثم أوضح الله تعالى مهام الأنبياء والمرسلين ليتأثّروا بها، ويفيدوا من عطائها ونفعها، فما نرسل الرّسل إلا ليبشّروا بإنعامنا ورحمتنا لمن آمن، وبالجنة لمن أسلم، وينذروا بعذابنا وعقابنا من كذّب وكفر، ولسنا نرسلهم ليقترح عليهم الآيات،

صفحة رقم 551

ويتابعوا شذوذ كل متعسّف أو معاند، وما عليهم إلا إبلاغ الرسالة، سواء آمن الناس أو كفروا.
ومصير الفريقين من المؤمنين والكافرين برسالات الأنبياء واضح وقاطع الوعد، ومحقق الجزاء، فمن آمن وأصلح عمله بامتثال الطاعات، واتّباع الرّسل، فلا خوف عليهم من مخاطر المستقبل، ولا هم يحزنون على ما فاتهم في الدنيا ولا على شيء يصادفهم يوم لقاء الله. وهذا وعد ثابت محقق، كما قال الله تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) [الأنبياء: ٢١/ ١٠٣].
ومن كذّب بآيات الله التي أرسل الله بها الرّسل، وفسق، أي خرج عن الحدّ في كفرانه وعصيانه، ولم ينفّذ أوامر الله، وارتكب المنهيات المحظورات، يمسّهم العذاب، أي يباشرهم ويلتصق بهم، بسبب كفرهم وفسقهم، وكان جزاؤهم أنواع النقمة في الدنيا، والتّلظّي بنار جهنم في الآخرة. فإن أصاب الكافر خير في الدنيا فهو متاع قليل، والعبرة بالمصير الدائم والخلود الأبدي في العذاب في الآخرة، وذلك هو الخسران المبين، والضّلال البعيد.
مصدر المعرفة للنّبي صلّى الله عليه وسلّم
تتنوع مصادر المعرفة بالنسبة للبشر، فمنها العلوم المكتسبة المتلقاة من الآخرين، ومنها الأعراف والعادات السائدة، ومنها الخبرات والتجارب، وأهم مصادر المعرفة وأوثقها وأدقها: الوحي الإلهي الذي يزوّد البشرية بمعلومات ومعارف ضرورية وأساسية في تكوين ثقافاتهم، ويبقى أمام الإنسان بعد الوحي ساحة المعرفة الدنيوية المستمدة من الآخرين ومن الإبداع البشري. والوحي الإلهي مقصور على الأنبياء

صفحة رقم 552
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية