
{قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون
صفحة رقم 114
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} قوله عز وجل: ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزآئِنُ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: الرزق، أي لا أقدر على إغناء فقير، ولا إفقار غني، قاله الكلبي. والثاني: مفاتيح خزائن العذاب لأنه خَوَّفهُم منه، فقالوا متى يكون هذا؟ قاله مقاتل. ﴿وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: علم الغيب في نزول العذاب عليهم متى يكون؟، قاله مقاتل. والثاني: علم جميع ما غاب من ماض ومستقبل، إلا أن المستقبل لا
صفحة رقم 115
يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله تعالى على علمه من أنبيائه، وأما الماضي فقد يعلمه المخلوقون من أحد الوجهين: إما من معاينة أو خبر، فإن كان الإِخبار عن مستقبل، فهو من آيات الله المعجزة، وإن كان عن ماض فإن علم به غير المخبر والمخبر لم يكن معجزاً، وإن لم يعلم به أحد وعلم به المخبِر وحده كان معجزاً، فنفى رسول الله ﷺ عن نفسه علم الغيب، لأنه لا يعلمه غير الله تعالى، وإن ما أخبر به من غيب فهو عن الله ووحيه. ﴿َوَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه يريد أنه لا يقدر على ما يعجز عنه العباد، وإن قدرت عليه الملائكة. والثاني: أنه يريد بذلك أنه من جملة البشر وليس بمَلَك، لينفي عن نفسه غُلُوَّ النصارى في المسيح وقولهم: إنه ابن الله. ثم في نفيه أن يكون ملكاً وجهان: أحدهما: أنه بَيَّنَ بذلك فضل الملائكة على الأنبياء، لأنه دفع عن نفسه منزلة ليست له. والثاني: أنه أراد إني لست ملكاً في السماء، فأعلم غيب السماء الذي تشاهده الملائكة ويغيب عن البشر، وإن كان الأنبياء أفضل من الملائكة مع غيبهم عما تشاهده الملائكة. ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أن أخبركم إلا بما أخبرني الله به.
صفحة رقم 116
والثاني: أن أفعل إلا ما أمرني الله به. ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: الجاهل والعالم. والثاني: الكافر والمؤمن. ﴿أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: فيما ضربه الله من مثل الأعمى والبصير. الثاني: فيما بينه من آياته الدالة على توحيده وصدق رسوله. قوله عز وجل: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِّي﴾. روي أن سبب نزول هذه الآية أن الملأ من قريش أتوا النبي ﷺ وعنده جماعة من ضعفاء المسلمين مثل بلال، وعمار، وصهيب، وخباب بن الأرت، وابن مسعود، فقالوا: يا محمد اطرد عنا موالينا وحلفاءنا فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا، فلعلك إن طردتهم نتبعك، فقال عمر: لو فعلت ذلك حتى نعلم ما الذي يريدون وإِلاَمَ يصيرون، فَهَمَّ رسول الله ﷺ بذلك حتى نزلت هذه الآية. ونزل في الملأ من قريش ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ﴾ الآية، فأقبل عمر فاعتذر من مقالته فأنزل الله فيه: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمَنُونَ بِئَأَيَاتِنا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ الآية. وفي قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ أربعة تأويلات: أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس، ومجاهد. والثاني: أنه ذكر الله، قاله إبراهيم النخعي. والثالث: تعظيم القرآن، قاله أبو جعفر.
صفحة رقم 117
والرابع: أنه عبادة الله، قاله الضحاك. ومعنى قوله: ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ فيه قولان: أحدهما: يريدون بدعائهم، لأن العرب تذكر وجه الشيء إرادة له مثل قولهم: هذا وجه الصواب تفخيماً للأمر وتعظيماً. والثاني: معناه يريدون طاعته لقصدهم الوجه الذي وجَّهَهُم إليه. ﴿مَا عَلَيكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ فيه ثلاث أقوال: أحدها: يعني ما عليك من حساب عملهم من شيء من ثواب أو عقاب. ﴿وَمَا مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ﴾ يعني وما من حساب عملك عليهم من شيء، لأن كل أحد مؤاخذ بحساب عمله دون غير، قاله الحسن. والثاني: معناه ما عليك من حساب رزقهم وفقرهم من شيء. والثالث: ما عليك كفايتهم ولا عليهم كفايتك، والحساب الكفاية كقوله تعالى: ﴿عَطَاءً حِسَاباً﴾ [النبأ: ٣٦] أي تاماً كافياً، قاله ابن بحر. قوله عز وجل: ﴿وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ﴾ يعني لاختلافهم في الأرزاق، والأخلاق، والأحوال. وفي إفتان الله تعالى لهم قولان: أحدهما: أنه ابتلاؤهم واختبارهم ليختبر به شكر الأغنياء وصبر الفقراء، قاله الحسن، وقتادة. والثاني: تكليف ما يشق على النفس مع قدرتها عليه. ﴿لَّيَقُولُواْ أَهَؤُلآءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا﴾ وهذا قول الملأ من قريش
صفحة رقم 118
للضعفاء من المؤمنين، وفيما مَنَّ الله تعالى به عليهم قولان: أحدهما: ما تفضل الله به عليهم من اللطف في إيمانهم. والثاني: ما ذكره من شكرهم على طاعته. قوله عز وجل: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بئَأَيَاتِنَا﴾ يعني به ضعفاء المسلمين وما كان من شأن عمر. ﴿فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه أمر بالسلام عليهم من الله تعالى، قاله الحسن. والثاني: أنه أمر بالسلام عليهم من نفسه تكرمة لهم، قاله بعض المتأخرين. وفي السلام قولان: أحدهما: أنه جمع السلامة. والثاني: أنه السلام هو الله ومعناه ذو السلام. ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ فيه قولان: أحدهما: معناه أوجب الله على نفسه. والثاني: كتب في اللوح المحفوظ على نفسه. و ﴿الرَّحْمَةَ﴾ يحتمل المراد بها هنا وجهين: أحدهما: المعونة. والثاني: العفو. ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءَاً بِجَهَالَةٍ﴾ في الجهالة تأويلان:
صفحة رقم 119
أحدهما: الخطيئة، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك. والثاني: ما جهل كراهية عاقبته، قاله الزجاج. ويحتمل ثالثاً: أن الجهالة هنا ارتكاب الشبهة بسوء التأويل. ﴿ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ﴾ يعني تاب من عمله الماضي وأصلح في المستقبل.
صفحة رقم 120