
يقتضيه الكلام الأول، والوجه أن يقال: أبو طالب من هؤلاء الذين ذكرهم الله (١).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد بتماديهم في معصية الله ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يرتكبون من المعاصي) (٢).
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ الآية. قال أصحاب العربية: (المراد بقوله: ﴿إِذْ وُقِفُوا﴾ الاستقبال، وإن كان بلفظ المضي؛ لأن هذه القصة كائنة، ولما تكن بعد، وجاز لفظ المضي؛ لأن كل ما هو كائن يومًا مما لم يكن بعد، فكأنه عند الله عز وجل قد كان، لسبق علمه ونفوذ قضائه وقدره به؛ إذ علمه موجب لكونه لا محالة) (٣). وأنشدوا في مثل هذا النظم (٤):
(١) انظر: ابن عطية ٥/ ١٦٦، و"البحر" ٤/ ١٠٠.
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٠، وانظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٢.
(٣) انظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٣٢، و "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٤، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ١١٨، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣٧، و"المغني" لابن هشام ١/ ٨١، ٩٥، وقال ابن فارس في الصاحبي ص ١٩٦: (أذ تكون للماضي... فأما قوله جل ثنائه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ فـ (ترى) مستقبل وإذ للماضي، وإنما كان كذا لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد، وذلك عند الله جل ثناؤه قد كان؛ لأن علمه به سابق وقضاءه به نافذ، فهو كائن لا محالة، والعرب تقول مثل ذا وإن لم تعرف العواقب) ا. هـ. ملخصًا.
(٤) لم أعرف قائله، وهو في: "الصاحبي" ص ١٩٦، و"المجمل" ١/ ١٧٠، =

ستندم إِذْ يَأتِي عَلَيْكَ رَعِيلُنَا | بأرْعَنَ جَرَّارٍ كثير صوَاهِلُه |
وَندْمَانٍ يَزِيدُ الكَأْسَ طيِبًا | سَقَيْتُ إِذا تَعَرَّضَتِ (٣) النُّجُوم |
وقوله تعالى: ﴿وُقِفُوا﴾. يقال: وقفته (٦) وقفًا فوقف وقوفًا، كما يقال: رجعته رجعًا فرجع رجوعًا (٧).
(١) انظر: "الأضداد" لقطرب ص ١٥٠، و"المدخل" للحدادي ص ٥٧٥.
(٢) البيت: لبرج بن مسهر الطائي في "مجاز القرآن" ١/ ٢١، والطبري في "تفسيره" ١/ ٥٨، و"اللسان" ٧/ ٤٣٨٦، (ندم)، و"شرح شواهد المغني" للسيوطي ١/ ٢٨٠، وبلا نسبة في "الأضداد" لقطرب ص ١٥٢، ولابن الأنباري ص ١٩٩، و"الصاحبي" ص ١٩٧، و"المدخل" للحدادي ص ٥٧٦، و"المغني" لابن هشام ١/ ٩٥.
(٣) جاء في (أ): علامة ضرب على (تعرضت)، ولعلها تحريف عن تغورت كما في جميع المراجع السابقة، ويروى (سقيت وقد تَغَوَّرَت). وندمان: أي نديم: وتغورت أي غارت، وتعرضت: أي أبدت عرضها للمغيب.
(٤) في (ش): (سبق لها نظائر).
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "العين" ٥/ ٢٢٣، و"الجمهرة" ٢/ ٩٦٧، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣٧، و"الصحاح" ٤/ ١٤٤٠، و"المجمل" ٣/ ٩٣٤، و"المفردات" ص ٨٨١، و"اللسان" ٨/ ٤٨٩٨ (وقف).
(٧) الفعل (وقف) متعدٍّ ولازم، وفرق بينهما بالمصدر اللازم وقوف على فعول ومصدر المتعدي وقف على فعل، وسمع في المتعدي أوقف، يقال: أوقفت عن الأمر =

قال أبو إسحاق: (ومعنى ﴿وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه: جائز أن يكون عاينوها، وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم. قال: والأجود أن يكون معنى: ﴿وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها. كما تقول في الكلام: قد وقفت على ما عند فلان، تريد: قد فهمته وتبينته) (١)، هذا كلامه.
وشرح هذا أن قوله: (جائز أن يكون عاينوها) معناه: (أنهم وقفوا عندها وهم يعاينونها، فهم موقوفون على أن يدخلوا النار، وقوله: (وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم) معناه: أنهم وقفوا فوق النار على الصراط، وهو جسر بين ظهري جهنم، والوجه الثالث معناه: أنهم عرفوا حقيقتها تعريفًا من قولك: وقفت فلانا على كلام فلان، أي: علمته معناه وعرفته. وجماعة يقولون ﴿عَلَى﴾ هاهنا بمنزلة (٢) (في)، والمعنى: وقفوا في النار، كقوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]-أي في ملك (٣).
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٩.
(٢) قال ابن هشام في "المغني" ١/ ١٤٤، والسيوطي في "الاتقاق" ١/ ٢١٤: (على) تكون ظرفية كـ (في) نحو قوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، وقوله: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ﴾ [القصص: ١٥] أي في حين) ا. هـ.
(٣) هذا قول الطبري ٧/ ١٧٤، البغوي ٣/ ١٣٧، ضعفه السمين في "الدر" ٤/ ٥٨٤، والظاهر أن ﴿عَلَى﴾ على بابها، أي: حبسوا عليها. والنار طبقات فيصح معنى الاستعلاء، وهذا هو قول الجمهور. انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٢، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٩، و"تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٥، و"الكشاف" ٢/ ١٢، وابن عطية ٥/ ١٦٨ وابن الجوزي ٣/ ٢٢، والرازي ١٢/ ١٩١، والقرطبي ٦/ ٤٠٨، و"البحر" ٤/ ١٠١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٤.

قال أبو إسحاق: (والإمالة (١) في ﴿النَّارِ﴾ حسنة جيدة؛ لأن ما بعد الألف مكسور (٢)، وهو حرف كأنه مكرر في اللسان، فصارت الكسرة فيه كالكسرتين) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يقتضي ﴿لَوْ﴾ جوابًا، وقد حذف؛ تفخيمًا للأمر وتعظيمًا، وجاز حذفه لعلم المخاطب بما يقتضي. وأشباهه كثيرة في القرآن والشعر، ولو قدرت الجواب كان على تقدير: لرأيت سوء منقلبهم أو لرأيت أسوأ حال (٤). ومن هذا قول امرئ القيس (٥):
فَلَوْ أنها نَفْسٌ تَمُوتُ سويةً | ولكنَّها نَفْسٌ تَساقَطُ أَنْفُسا (٦) |
(٢) في (أ): (مكسورة).
(٣) معاني الزجاج ٢/ ٢٣٩، وانظر: ١/ ١٢٣، و"معاني الأخفش" ١/ ٣٩.
(٤) حذف جواب (لو)، لدلالة المعنى عليه جائز فصيح، وهو أبلغ في التخويف؛ لأن السامع يترك مع غاية تخيله، ولو صرح له بالجواب وطّن نفسه عليه. انظر: "الكتاب" ٣/ ١٠٣، و"البغوي" في "تفسيره" ٣/ ١٣٧، وابن عطية ٥/ ١٦٧، و"البحر" ٤/ ١٠١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٢.
(٥) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو الكندي شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته.
(٦) "ديوانه" ص ٨٧، و"سر صناعة الإعراب" ص/ ٦٤٨، و"اللسان" ٢/ ٦٧٩، (جمع) و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٣، وفي المراجع -جميعة بدل سوية- والمعنى. أنه مريض لا تخرج نفسه مرة ولكنها تموت شيئًا بعد شيء.
(٧) في النسخ: (ولا لاسترحت).

كَذَبَ العَوَاذِلُ لَوْ رَأَينَ مُنَاخَنَا | بَحزِيز رَامَةَ والمَطِيُّ سَوَامِي (١) |
قال أبو الفتح الموصلي (٢): (ذهب أصحابنا إلى أن حذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، ألا ترى أنك إذا قلت لغلامك: والله لئن قمت إليك، وسكتَّ عن الجواب، ذهب تفكره (٣) إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر وغير ذلك، فتمثلت في فكره أنواع العقوبات، وتكاثرت عليه، وعظمت الحال في نفسه، ولم يدر أيها يتقي. ولو قلت: والله لئن قمت إليك لأضربنك. فأتيت بالجواب، لم يتق شيئًا غير الضرب، ولا خطر بباله نوع من المكروه سواه، وكان ذلك دون حذف الجواب؛ لأنه يوطن نفسه على المتوعّد به في الجواب إذا عرفه، ومن وطن نفسه على شيء هان. ألا ترى قول كثير (٤):
فَقُلْتُ لها:
يا عَزَّ كُلُّ مُلمةٍ | إِذا وُطّنَتْ يومًا لها النَّفسُ ذلّتِ (٥) |
ولقد نظرت فرد نظرتك الهوى
والسوامي: الرافعة أبصارها وأعناقها.
(٢) عثمان بن جني النحوي اللغوي إمام مشهور، تقدمت ترجمته.
(٣) في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩ (وذهب بفكره).
(٤) "ديوان كثير عزة" ص ٥٥، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩١١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٣، وفيها: مصيبة بدل ملمة، وقد جاء ملمة في بعض نسخ "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩.
(٥) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩، بتصرف يسير، وانظر: "معاني الأخفش" ١/ ١٣٦، و"المدخل" للحدادي ص ٢٣٩.

وقوله تعالي: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اختلف القراء في قوله: ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ و ﴿وَنَكُونَ﴾ فقرئ رفعًا ونصبًا (١).
وللرفع وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفًا على ﴿نُرَدُّ﴾ ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، ﴿وَنَكُونَ﴾ داخلا في التمني دخول ﴿نُرَدُّ﴾ فيه، فعلى هذا قد تمنوا الرد، وأن لا يكذبوا، والكون من المؤمنين. [و] (٢) الوجه الثاني: أن تقطع ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ وما بعده من الأول، فيكون التقدير على هذا: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ ونحن ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ضمنوا أنهم لا يكذبون، والمعنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نردّ: ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي قد: عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدًا.
قال سيبويه: (هو على قولك: فإنا لا نكذّب كما تقول: دعني ولا أعود، أي: فإني ممّن لا يعود، فإنما (٣) يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه أن لا يعود، تُرك أو لم يُترك، ولم يُرد أن يسألك أن يجمع له الترك وأن لا يعود) (٤).
انظر: "السبعة" ص ٢٥٥، و"المبسوط" ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٢٩٦، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٢) لفظ: (الواو) ساقط من (أ).
(٣) في (أ): (وإنما).
(٤) "الكتاب" ٣/ ٤٤، وزاد فيه: (الرفع على وجهين: فأحدهما أن يشرك الآخر الأول، والآخر على قولك: دعني...) ا. هـ.

والوجهان ذكرهما الزجاج (١)، وشرح أبو علي (٢) كما حكيت.
والوجه الثاني أقواهما (٣) وهو أن يكون (٤) الرد داخلا في التمني، ويكون ما بعده إخبارًا عنهم أنهم قالوا ذلك على ما بينا. وذلك لأن الله تعالى كذبهم في الآية الثانية فقال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨]، وهذا يدل على أنهم أخبروا بذلك عن أنفسهم ولم يتمنوه (٥)؛ لأن التمني لا يقع فيه الكذب، إنما يقع في الخبر دون التمني. وهذا اختيار أبي عمرو (٦)، وهو استدل بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] على خروج التكذيب والكون من التمني (٧). ومن قرأ ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، ﴿وَنَكُونَ﴾ نصبا، قال الزجاج: (نصب على الجواب بالواو في التمني، كما تقول: ليتك تصير إلينا ونكرمك، والمعنى: ليت مصيرك يقع وإكرامنا، ويكون المعنى: ليت ردّنا
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٣/ ٢٩٣.
(٣) وهو اختيار الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٧٣، و"الطبري" في "تفسيره" ٧/ ١٧٥ - ١٧٦، و"النحاس في معانيه" ٢/ ٢٧٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٧، وانظر: "الخاطريات" لابن جني ص ١٣٢، و"المحتسب" ١/ ٢٥٢.
(٤) في (أ): (وأن لا يكون) وكأن لا ملحقة وعليها علامة تصحيح، ولعله تحريف من الناسخ؛ لأن سياق الكلام يرده.
(٥) في (ش): (ولم يتمنوا).
(٦) أبو عمرو: زبان بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني البصري، تقدمت ترجمته.
(٧) ذكره عنه أكثرهم. انظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٩٣، و"الكشف" ١/ ٤٢٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٩، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٧.

وقع وأن لا نكذب) (١).
قال ابن الأنباري: (في نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ وجهان، أحدهما: أن تكون الواو مبدلة من الفاء، والتقدير: يا ليتنا نُرد فلا نكذب ونكون، فتكون الواو هاهنا بمنزلة الفاء في قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)﴾ [الزمر: ٥٨]، يؤكد هذا الوجه ما روي أن ابن مسعود وابن أبي إسحاق (٢) كانا يقرآن (فلا نكذب) بالفاء منصوبًا (٣). قال: والوجه الآخر في نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾ الصرف (٤) ومعناه الحال، أي يا ليتنا نرد غير مكذبين، كما تقول العرب (٥): لا نأكل السمك ونشرب اللبن، أي: لا يأكل السمك شاربًا للبن) (٦).
(٢) ابن أبي إسحاق: عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمي أبو بحر البصري، تقدمت ترجمته.
(٣) ذكر قراءة ابن مسعود أكثرهم. انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٥، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢، والحجة لابن خالويه ص ١٣٨، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٢، والقرطبي، و"البحر" ٤/ ١٠٢، وذكرها السمين في "الدر" ٤/ ٥٩٠، عن ابن مسعود، وابن أبي إسحاق، وحكى أكثرهم عن ابن أبي إسحاق أنه يقرأ: (نكذب ونكون) بالنصب بلا فاء. انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٤، و"طبقات ابن سلام" ١/ ١٩ - ٢٠، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢: و"طبقات الزبيدي" ص ٣٣.
(٤) يسمي الكوفيون هذه (الواو) واو الصرف، إرشادًا بصرفه عن سنن الكلام إلى أنها غير عاطفة، وشرط هذه الواو أن يتقدمها نفي أو طلب. انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٣ - ٣٤، ٢٣٥، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٥٥، و"المغني" لابن هشام ٢/ ٣٦١.
(٥) انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٢.
(٦) ذكره السمين في "الدر" ٤/ ٥٩٠، وقال الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٦: (المعروف من كلام العرب النصب على الجواب بالفاء والصرف بالواو)، ونحوه قال ثعلب كما في "معاني القراءات" ١/ ٣٤٩، وانظر: "المدخل" للحدادي ص ٣٣٣.

وشرح أبو علي كلام أبي إسحاق في هذه القراءة، فقال: (من نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾ أدخل ذلك في التمني؛ لأن التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض في انتصاب ما بعد ذلك كله من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء على تقدير ذكر مصدر الفعل الأول، كأنه في التمثيل: يا ليتنا يكون لنا رد وانتفاء التكذيب وكون من المؤمنين) (١)، فإن قيل على هذه القراءة: كيف أكذبهم الله، فقال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، والتمني لا يدخله الكذب؟ قال ابن الأنباري: (أكذبهم في معنى التمني؛ لأن تمنيهم رجع إلى معنى نحن لا نكذب إذا رددنا، فغلّب عز وجل تأويل الكلام، فأكذبهم ولم يستعمل لفظ التمني؛ لأن القائل إذا قال: ليت لي مالاً فأتصدق به، يريد أنا أتصدق بالمال إذا وجدته وقدرت عليه، فمتى كذب أو صدق في حال التمني؛ فلأن الكلام راجع إلى معنى الإخبار) (٢).
وكان ابن عامر يرفع ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ وينصب ﴿وَنَكُونَ﴾، وقد ذكرنا
(٢) ذكره ابن الجوزي ٣/ ٢٤، و"السمين في الدر" ٤/ ٥٨٨ مختصرًا وأكثرهم قال: (إن القول بأن التمني لا يدخله الكذب ليس بقوي؛ لأن هذا تمن تضمن معنى العدة، فجاز أن يدخله التكذيب، أو يكون قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ إخبار عن سجية الكفار وحكاية عن حالهم في الدنيا، فلا يدخل الكذب في التمني). قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٨٦: (هذان الجوابان واضحان، وثانيهما أوضح) ا. هـ وانظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٩٤، و"الكشاف" ٢/ ١٣، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩١ - ١٩٢، و"الفريد" ٢/ ١٣٨، و"البحر" ٤/ ١٠٢.