آيات من القرآن الكريم

انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ

وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ
«١»، ولقوله فيما بعده رَحِمَهُ ولم يقل: فقد رحم، على الفعل المجهول.
[ولقراءة أبيّ: من يصرفه الله عنه]. يعني يوم القيامة، وهو ظرف مبني على الخبر لإضافة الوقت إلى إذ كقولك: حينئذ [وساعتئذ] فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ يعني نجاة البينة وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ بشدة وبلية وفقر ومرض فَلا كاشِفَ دافع وصارف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ عافية ورخاء ونعمة فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الخير والشر قَدِيرٌ.
روى شهاب بن حرش عن عبد الملك بن عمير عن ابن عباس قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلّم بغلة أهداها له كسرى فركبها جهل بن شعر ثم أردفني خلفه وسار بي مليا ثم احتنا لي وقال لي: يا غلام، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد مضى القلم بما هو كائن فلو عمل الخلائق أن ينفعوك بما لم يقض الله لك لما قدروا عليه ولو جهدوا أن ينصروك بما لم يكتب الله عليك ما قدروا عليه فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطيع فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم أن النصر مع الصبر فإن مع الكرب الفرج وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
وَهُوَ الْقاهِرُ القادر الغالب فَوْقَ عِبادِهِ وفي القهر معنى زائد على القدرة وهو منع غيره عن بلوغ المراد «٢».
وَهُوَ الْحَكِيمُ في أمره الْخَبِيرُ بما جاء من عباده.

(١) سورة الأنعام: ١٢
. (٢) تفسير القرطبي: ٦/ ٣٩٩
.

صفحة رقم 139

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً الآية.
قال الكلبي: أتى أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: ما وجد الله رسولا غيرك وما نرى أحدا يصدقك فيما تقول ولو سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر فأرنا من يشهد أنك رسول الله كما تزعم، فأنزل الله قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً فإن أجابوك وإلّا فقل قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على ما أقول وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ وخوفكم يا أهل مكة بِهِ وَمَنْ بَلَغَ يعني ومن بلغه القرآن من العجم وغيرهم.
قال الفراء: والعرب تضمر الهاء في مصطلحات التشديد (من) و (ما) فيها وإن الذي أخذت مالك، ومالي أخذته، ومن أكرمت [أبرّ به] بمعنى أكرمته.
قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناس بلغوا عني ولو آية من كتاب الله فإن من بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذه أو تركه» «١» [١٣٠].
وقال الحسن بن صالح: سألت ليثا: هل بقي أحد لم يبلغه الدعوة.
قال: كان مجاهد يقول حيثما يأتي القرآن فهو داع وهو نذير، ثم قرأ هذه الآية.
فقال مقاتل: من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له.
وقال محمد بن كعب القرضي: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا (عليه السلام) وسمع منه أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى ولم يقل آخر والآلهة جمع لأن الجمع يلحق التأنيث كقوله تعالى فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى «٢». قُلْ يا محمد إن أشهدوكم أنتم ولا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني التوراة والإنجيل يَعْرِفُونَهُ يعني محمد صلى الله عليه وسلّم ونعته وصفته كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ أي من الصبيان.
قال الكلبي: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لعبيد الله بن سلام: إن الله قد أنزل على نبيّه الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله: يا عمر قد عرفته فيكم حين رأيته بنعته وصفته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصبيان يلعب ولأنا أشدّ معرفة بمحمّد صلى الله عليه وسلّم مني بابني، قال: وكيف؟ قال: نعته الله عز وجل في كتابنا، فلا أدري ما أحدث النساء، فقال عمر: وفقك الله يا ابن سلام «٣»
الَّذِينَ خَسِرُوا غبنوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وذلك إن لكل عبد منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا كان يوم القيامة جعل الله لأهل الجنة منازل أهل النار في الجنة وجعل لأهل النار منازل أهل الجنة في النار وَمَنْ أَظْلَمُ أكفر.

(١) جامع البيان: ٧/ ٢١٥
. (٢) سورة طه: ٥١
. (٣) زاد المسير بتفاوت: ٣/ ١٣، والدر المنثور: ١/ ١٤٧
.

صفحة رقم 140

قال الحسن: فلا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى اختلق عَلَى اللَّهِ كَذِباً فأشرك به غيره أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ يعني القرآن.
قال الحسن: كل ما في القرآن بِآياتِنا وآياتِهِ
يعني به الدين بما فيه لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الكافرون وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ العابدين والمعبودين جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ إنما يشفع لكم عند ربكم ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ يعني قولهم وجوابهم، وقيل: معذرتهم، والفتنة: الاختبار، ولمّا كان سؤالهم يخبر به لإظهار ما في قلوبهم قيل: فتنة.
إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وذلك إنهم يوم القيامة إذا رأوا مغفرة الله عز وجل وتجاوزه عن أهل التوحيد. قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجو مع أهل التوحيد ويقولون وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فيقول الله تعالى لهم: أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وتدعون أنهم شركائي ثم نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وتشهد جوارحهم عليهم بالكفر وذلك قوله انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ زال وبطل عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من الأصنام وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ الآية،
قال: اجتمع أبو سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبي ابنا خلف والحرث بن عامر استمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: للنضر يا أبا فتيلة ما يقول محمد، قال: والذي جعلها بيته. يعني الكعبة. قال:
ما أدري ما يقول إلّا إنه يحرك لسانه ويقول: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية وكان النضر كتب الحديث عن القرون وأخبارها.
فقال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول خفيا، فقال أبو جهل: كلا فأنزل الله تعالى:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وإلى كلامك
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً غشاوة وغطاء أَنْ يَفْقَهُوهُ يعلموه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ثقلا وصما وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني حكاياتهم أسطورة وإسطارة.
وقال بعض أهل اللغة: هي التّرّهات والأباطيل والبسابس وأصلها من سطرت أي كتبت وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ.
قال مقاتل: نزلت في أبي طالب! واسمه عبد مناف وذلك إن النبي صلى الله عليه وسلّم كان عند أبي طالب يدعو إلى الإسلام فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون سوءا بالنبي صلى الله عليه وسلّم، فقال أبو طالب:

صفحة رقم 141

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسّد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذلك وقر منكم عيونا
ودعوتني وزعمت إنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم سببا
وفرضت دينا لا محالة إنه من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا «١»
فأنزل الله تعالى وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ أي يمنعون الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلّم وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ أي يبتعدون عما جاء له من الهدي فلا يصدقونه
وهذا قول القاسم بن محمد وعطاء ابن دينار وإحدى الروايتين عن ابن عباس وعن محمد بن الحنفية والسدي والضحّاك قالوا: نزلت في جملة كفار مكة يعني وَهُمْ يَنْهَوْنَ الناس عن إتباع محمد والإيمان به ويتباعدون بأنفسهم عنه.
قال مجاهد: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ قريشا ينهون عن الذكر ويتباعدون عنه.
وقال قتادة: وينهون عن القرآن وعن النبي صلى الله عليه وسلّم ويتباعدون عنه وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لأن أوزار الذين يصدونهم عليهم وَما يَشْعُرُونَ إنما كذلك وَلَوْ تَرى يا محمد إِذْ وُقِفُوا حبسوا عَلَى النَّارِ يعني في النار كقوله: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ «٢» يعني في ملك سليمان.
وقرأ السميقع إِذْ وَقَفُوا بفتح الواو والقاف من الوقوف والقراءة الأولى على الوقف.
فقال: وقفت بنفسي وقوفا ووقفتم وقفا، وجواب لو محذوف معناه لو تراهم في تلك الحالة لرأيت عجبا «٣» فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قرأه العامة ونكونُ بالرفع على معنى يا لَيْتَنا نُرَدُّ ونحو لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أردنا أم لم نرد.
وقرأ ابن أبي إسحاق وحمزة: وَلا نُكَذِّبَ ونَكُونَ نصبا على جواب التمني، والعرب تنصب جواب التمني بالواو كما تنصبه بالفاء.
وقرأ ابن عامر: نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ: بالرفع، وَنَكُونَ: بالنصب قال: لأنهم تمنوا الرد وأن يكونوا من المؤمنين وأخبروا أنهم لا يكذبون بآيات ربهم إن ردّوا إلى الدنيا بَلْ بَدا ظهر لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ يسترون في الدنيا من كفرهم ومعاصيهم.
وقال السدي إنهم قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فذلك إخفاؤهم مِنْ قَبْلُ فأنطق الله عز وجل جوارحهم فشهدت عليهم بما كتموا فذلك قوله عز وجل بَلْ بَدا لَهُمْ وهذا أعجب إلي من القول الأول لأنهم كانوا لا يخفون كفرهم في الدنيا إلّا أن تجعل الآية في المنافقين.
قال المبرد: بَدا لَهُمْ (جزاء ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) «٤».
(١) تفسير القرطبي: ٦/ ٤٠٦
. (٢) سورة البقرة: ١٠٢
. (٣) راجع تفسير القرطبي: ٦/ ٤٠٨
. (٤) راجع زاد المسير: ٣/ ١٩ [.....]
.

صفحة رقم 142
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية