
في النار، فهنا هي الخِسَارَةُ البَيِّنَةُ، والربح للآخرين. وباقي الآية بَيِّنٌ.
وقوله سبحانه: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ المعنى: واذكر يوم نحشرهم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٣ الى ٢٦]
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦)
وقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.
الفِتْنَةُ في كلام العرب لفظة مشتركة، تقال بمعنى حُبِّ الشيء، والإعجاب به، وتقال بمعنى الاخْتِبَارِ. ومن قال: إن أَصْلَ الفتنة الاخْتِبَارُ من: فَتَنْتُ الذَّهَبَ في النَّارِ، ثم يُسْتَعَارُ بعد ذلك في غَيْرِ ذلك، فقد أَخْطَأَ لأن الاسْمَ لا يُحْكَمُ عليه بمعنى الاسْتِعَارَةِ حتى يقطع عليه باسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ في المَوْضِع الذي استعير له، كقول ذي الرّمّةِ: [الطويل] وَلَفَّ الثُّرَيَّا فِي مُلاَءَتِهِ الفَجْرُ «١» ونحوه، والفتنة لا يَسْتَحِيلُ أن تكون حَقِيقَةً في كل مَوْضِعٍ قيلت عليه، وباقي الآية مضى تَفْسِيرُهُ عند قوله سُبْحَانَهُ: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء: ٤٢] فانظره هناك.
قال ع «٢» : وعبر قَتَادَةُ عن الفِتْنَةِ هنا بأن قال: معذرتهم «٣».
وقال الضَّحَّاك»
: كلامهم.
وقيل غير هذا مما هو في ضِمْنِ ما ذكرناه.
وقوله سبحانه: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ هذا خِطَابٌ للنبي صلّى الله عليه وسلّم والنظر نَظَرُ القَلْبِ، وقال: كَذَبُوا في أَمْرِ لم يَقَعْ إذ هي حِكَايَةٌ عن يوم القيامة، فلا إشكال في
(٢) ينظر: «المحرر» (٢/ ٢٧٩).
(٣) أخرجه الطبري (٥/ ١٦٦) برقم (١٣١٤١)، وذكره ابن عطية (٢/ ٢٧٩) والسيوطي (٣/ ١٤)، وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري (٥/ ١٦٦) برقم (١٣١٤٠)، وذكره ابن عطية (٢/ ٢٧٩).

اسْتِعْمَالِ المَاضِي فيها موضع المستقبل، ويفيدنا استعمال الماضي تَحْقِيقاً في الفعل، وإثْبَاتاً له، وهذا مَهْيَعٌ في اللُّغَةَ.
وَضَلَّ عَنْهُمْ معناه: ذَهَبَ افْتِرَاؤُهُمْ في الدنيا، وكَذِبُهُمْ على اللَّه.
وقوله سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً الآية.
«أكِنَّة» جمع: كنان، وهو الغِطَاءُ أَنْ يَفْقَهُوهُ أي: يفهموه، والوَقْرُ الثقل.
وقوله سبحانه: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِها. الرؤية هنا رُؤْيَةُ العَيْنِ، يريد كانشقاق القَمَرِ وشبهه.
وقولهم: إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ إشارة إلى القرآن، والأَسَاطِيرُ جمع أَسْطَار، كأقوال وأقاويل، وأسطار جمع سَطْر أوْ سَطَر. وقيل: أَسَاطِير جمع إسْطَارَة، وهي التُّرَّهَاتُ.
وقيل: جمع أسطورة كأعجوبة، وأضحوكة. وقيل: هو اسم جمع، لا واحد له من لفظه كعَبَادِيدَ وشَمَاطِيطَ «١»، والمعنى: إخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تُسَطَّرُ، وتحكى، ولا تُحَقَّقُ كالتواريخ، وإنما شَبَّهَهَا الكفار بأحاديث النَّضْرِ بن الحَارِثِ، وعبد اللَّه بن أبي أُمَيَّة، عن رستم ونحوه، ومُجَادَلَة الكفار كانت مُرَادّتهم نُورَ اللَّهِ بأقوالهم المُبْطَلَةِ.
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ قال/ قتادة وغيره: المعنى: يَنْهَوْنَ عن القرآن «٢».
وقال ابن عباس وغيره: ينهون عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمعنى: ينهون غَيْرَهُمْ، ويبعدون هم بأنفسهم «٣»، والنَّأْيُ البعد.
عبديد.
وكذلك الشماطيط. قال الفراء: العباديد والشماطيط لا يفرد له واحد. ينظر: «لسان العرب» (٢٣٢٧، ٢٧٨٠).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥/ ١٧١) برقم (١٣١٦٨)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٢/ ٩١)، وابن عطية (٢/ ٢٨٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ١٦)، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري (٥/ ١٧١) برقم (١٣١٦٣) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٢٨٠)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ١٥)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.