آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

وقال المتكلمون (والشيء عندنا هو الموجود) وهذه الآية المدنية الأولى من هذه السورة، قال تعالى «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» على يد رسلهم ولسانه من اليهود والنصارى الذين منهم من ينكر صفة محمد صلّى الله عليه وسلم ورسالته في كتبهم هم أنفسهم «يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ» وقد كذبوا بما قالوه من إنكارهم نعته فيها، خصّ تعالى ذكر الأنبياء لأن الناس أشد معرفة بهم من غيرهم ومع هذا بأنهم يعرفون محمدا بما وضح من وصفه في كتبهم أكثر معرفة من أبنائهم الذين يشاهدونهم صباح مساء، هذا قول الله ولا أصدق من الله قولا، وقد حدث به رسول الله ولا أصدق منه حديثا، قال عبد الله بن سلام إلى عمر بن الخطاب حين أسلم:
يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ولأنا أشد معرفة بمحمد مني بابني، فقال عمر وكيف ذلك، قال أشهد أنه رسول الله حقّا بإخبار الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسله، ولا أصدق من هذا الإخبار، أما ابني ففي مظاهر الحال ابني ولكن لا أدري ما تصنع النساء إن النساء المتزوجات قد يحملن من غير أزواجهن فلا يدري الرجل إلا ان المولود ولد من زوجته التي هي في حجره وفراشه، فينسب إليه وقد يلحقه الشك في ذلك، أما محمد صلّى الله عليه وسلم فلا مرية ولا شبهة أنه رسول الله حقا لما رأينا من أوصافه وعلاماته في التوراة ومعجزاته في القرآن. ولهذا فإن الجاحدين نبوته هم «الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ» وباعوها بالكذب والإنكار «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ٢٠» به ولا يوفقون للإيمان بالله الذي أرسله جزاء جحودهم له عتوا وعنادا. انتهت الآية المدنية وهي كما ذكرنا في غيرها من كونها كالمعترضة بين ما قبلها وما بعدها، قال تعالى منددا من نسب إليه ما لا يليق بذاته المقدسة وأنكر ما جاء به على لسان رسله
«وَمَنْ أَظْلَمُ» لا أحد أشد ظلما وأكثر بغيا وأعظم بهتا «مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً» وزعم أن له شريكا أو أنه لم يرسل محمدا أو لم ينزل كتابا عليه «أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ» المنزلة عليه ومعجزاته التي أظهرها الله على يديه وكذلك سائر الأنبياء، فلا أقبح ولا أشنع ولا أفظع ممن هذه سجيته، ولا أخسر منه صفقة ولا أشد عنادا ولا اخطأ فعلا ولا أكبر كفرا ولا أكثر بغيا، لأنهم كذبوا على الله باتخاذ الشريك وكذبوه بإرسال الرسل، وكذبوا الرسل بأنهم

صفحة رقم 330

رسل الله وأنه لم ينزل عليهم كتابا، هؤلاء المشئومون أكثر الناس ظلما والله تعالى يقول «إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ٢١» بالنجاة من العذاب ولا يفوزون بخير ولا ينجحون بأمل، واذكر يا أكرم الرسل لقومك وغيرهم «يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً» العابدون والمعبودون والمقترحون والمكذبون والجاحدون والمنكرون «ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا» في الموقف يوم القيامة «أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ٢٢» في الدنيا أنها تشفع لكم وعبدتموها من دون الله الملائكة وغيرهم من الإنسان والكواكب والحيوان والجماد فيسكتون بدليل حرف التراخي المبين بقوله «ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ» معذرتهم التي يعتذرون بها لأن الفتنة هي التجربة، ولما كان سؤالهم هذا تجربة لإظهار ما في قلوبهم من الكفر، وسمى جوابهم فتنة لأنهم كانوا مفتونين في محبة أوثانهم التي يعبدونها من دون الله في الدنيا كما يفتتن العاشق بمعشوقته، فإذا أصابته محنة من أجلها تبرأ منها بعد قضاء وطره، ومثلهم في الدنيا كمثل بعض الأكراد والحوارنه الذين يغرون الفتيات والنساء ويخطفونهنّ ويفترسونهنّ حالا بسائق الشهوة الخبيثة، حتى إذا أدركتهم الحكومة وحبسوا وعذّبوا أنكروا إغواءهنّ ليتخلصوا من الجزاء الشاق، وما هو بنافعهم، وهؤلاء الكفرة كذلك يوم القيامة حين يشاهدون العذاب والمحنة التي تحل بهم من أجل معبوديهم، يتبرأون منهم ما يكون جوابهم بعد السكوت الطويل المستفاد من أداة التراخي «إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣» وحين يصرون على إنكارهم هذا ويجحدون إشراكهم تشهد عليهم جوارحهم، ولا يقال هنا كيف يجوز تعذيب الشاهد لأن شهادة الأعضاء بمثابة الاعتراف عما اقترفت في الدنيا، والاعتراف لا يكون مسقطا للعقوبة، فإن القاتل إذا اعترف لا يعفى من القصاص، وكذلك الشارب والزاني لا يعفوان من الحد إذا اعترفا، تدبر.
فيا أكرم الرسل «انْظُرْ» إلى هؤلاء «كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» بإنكارهم الشرك الذي كانوا يتفاخرون به في الدنيا ويحاربون الرسل بهم «وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ٢٤» في الدنيا من وجود معبود غير الله إذ لم يروا شيئا أو أحدا يناصرهم أو يعترف لهم بالعبادة راجع الآية ٢٩ من سورة يونس

صفحة رقم 331

فيما يتعلق في هذا البحث «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» حين تتلو القرآن كأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأمية ابن خلف والحارث بن عامر، ويقولون لمن معهم النضر بن الحارث ما يقول محمد؟ فيقول لهم ماأدري أراه يحرك لسانه بأساطير الأولين كما كنت أحدثكم عنه، فقال أبو سفيان إني لأرى بعض ما يقوله حقّا، فقال أبو جهل كلا لا تقرّ له بشيء الموت أهون علينا من إقرارك بشيء مما يقوله محمد، فأنزل الله «وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً» أغطية كثيفة «أَنْ يَفْقَهُوهُ» لئلا يعوه ويفهموه فيعلموه «وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» ثقلا شديدا وذلك أن الله تعالى بشرح قلوب بعض عباده لتقبل الهدى والإيمان والرشد ويضيق بعضها حتى لا تعي شيئا من ذلك ولا تسمعه فيبقى على ضلاله «وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها» لذلك السبب «حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ» فيما أنزل عليك من لدنا يا سيد الرسل «يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا» الذي تتلوه علينا ليس بقرآن وليس من عند الله وما هو «إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ٢٥» أكاذيبهم وخرافاتهم جمع أسطورة أي أكذوبة وخرافة وَهُمْ يَنْهَوْنَ» يمنعون الناس «عَنْهُ» أي القرآن فلا يتركونهم يسمعونه ويحذرونهم من الإيمان به والتصديق بما أنزل عليه «وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» يتباعدون بأنفسهم عن سماعه وعن المنزل عليه لئلا يراهم قومهم فيقلدونهم «وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ» بهذا النبي والنأي «وَما يَشْعُرُونَ ٢٦» بأن الوبال يخصهم وحدهم ويضاعف عليهم لصدهم أنفسهم وغيرهم من سماع الحق واتباع الهدى وسلوك طريق الرشد.
مطلب لا يصح نزول الآية في أبي طالب وفي حمل الأوزار والآية العظيمة التي نزلت في حق الرسول صلّى الله عليه وسلم:
نزلت هذه الآية في الكفرة المذكورين أعلاه وهي عامة في كل من يتباعد عن الحق وينهى من يتقرب منه، أما ما روي أن رءوس الكفر قالوا لأبي طالب بعد أن تذاكروا معه بشأن محمد وتعديه على آلهتهم خذ شابا من أصبحنا وجها وادفع إلينا محمدا نقتله، وانه قال لهم ما أنصفتموني أدفع إليكم ابني لتقتلوه وأربي لكم ابنكم، وانه كان من جملتهم وكان ينهاهم عن أذاه ويتباعد عن الإيمان به، فلا

صفحة رقم 332

يصح أن يكون سببا للنزول، لأن أبا طالب توفى نصف شوال السنة العاشرة من البعثة كما أشرنا إليه في الآية ٥٦ من القصص المارة في ج ١ أي قبل نزول هذه الآية بكثير، وكذلك ما روي أن حضرة الرسول دعاه إلى الإيمان فقال لولا أن تعيرني قريش لأفررت بها عينك، ولكن أذب عنك، وقال في ذلك أبياتا منها:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر منه عيونا
ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
فنزلت هذه الآية لما ذكرنا وان الرواية قد وقعت منه لأن له مواقف هامة في الذب عن الرسول والوقوف بوجوه صناديد قريش من أجله، وكانت تهاب محمدا لمهابته لديهم ولقد صدق رحمه الله في قوله لأن قريشا لم توقع فيه أذى إلا بعد موته ولكن هذا كله قبل نزول هذه الآية حتى انه مرة كلف ابن أخيه ذات يوم أن يصفح عن التصريح بدعوته بإلحاح من عظماء قريش عليه لأنهم عرضوا عليه أمورا كثيرة من أمور الدنيا على أن يكف عن سب آلهتهم ولم يفعل فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله تعالى، وهذه القصة مفصلة في سيرة ابن هشام، على أن هذه الآية واللائي قبلها واردة في ذم المشركين، فلا يناسب المقام ذكر النهي عن أذيته صلّى الله عليه وسلم، قال تعالى «وَلَوْ تَرى» بأكمل الرسل «إِذْ وُقِفُوا» هؤلاء المشركون الذين ينهون الناس عن الإيمان بك ويتباعدون عنه أيضا فلو رأيتهم حين يشرفون «عَلَى النَّارِ» لرأيت أمرا فظيعا هالك مرآه وموقفا عجيبا عظم بلاء «فَقالُوا» في ذلك الموقف الرهيب والمشهد العام «يا لَيْتَنا نُرَدُّ» إلى الدنيا فنصدق هذا الرسول وما جاء به من الله «وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا» ورسله بعد ردنا إلى الدنيا أبدا «وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٢٧» بالله وكتابه ورسوله. ونصب الفعلين بأن مضمرة على جواب التمني أو بإبدال الواو من الفاء وجاز فيهما الرفع عطفّا على نرد وعليه فتكون الأفعال الثلاثة داخلة في التمني فيكونون تمنوا الرد إلى الدنيا وأن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين أو بقطع ولا نكذب ونكون عن فعل

صفحة رقم 333
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية