آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝ

والآية الشريفة جامعة لكل أعمال المسلم، فيجب عليه أن يوطد العزم، ويعقد النية على صلاته وعبادته، وحياته وما يأتيه فيها، وموته وما يلاقي فيه، كل ذلك لله لا لشيء آخر، فإن عاش فلله، له الحكم، وله الأمر.

ولست أبالى حين أقتل مسلما على أى جنب كان في الله مصرعي
فالمسلم لا يحرص على الحياة، ولا يرهب الموت، بل يكون الموت في سبيل الله أسمى أمانيه، لا يقعد عن الجهاد، ولا يتوانى عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهكذا كان جند الرحمن، الصحابة- رضوان الله عليهم- قل لهم يا محمد: أغير الله أبغى رباّ؟ وأشركه في العبادة وأتوجه إليه في الدعاء، والله سبحانه رب كل شيء، وخالق كل شيء. فالقرآن صريح جدّا في أن كل قربى أو عبادة أو دعاء لا يكون إلا لله وحده، وهذا هو الدين الخالص.
ولا تكسب كل نفس إثما أو ذنبا إلا كان عليها جزاؤه ووزره، ولا تزر نفس وزر غيرها أبدا، بل كل نفس بما كسبت رهينة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، فهذا هو الدين. دين العمل والجد لا دين الأمانى والغرور الكاذب.
وهذه الوصية من أعظم دعائم الإصلاح للمجتمع البشرى، ومن أعلى مزايا الدين الإسلامى، ومن أقوى معاول الهدم للوثنية في أى صورة من صورها.
ثم إلى ربكم مرجعكم لا إلى غيره، ثم هو وحده ينبئكم ويجازيكم على أعمالكم التي كنتم فيها تختلفون.
سنة الله في الخلق [سورة الأنعام (٦) : آية ١٦٥]
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)

صفحة رقم 691

المعنى:
هذا هو الدواء ليس غير، وهذا هو العلاج فحسب، به تهدأ النفوس وتطمئن القلوب.
فنحن خلائف من تقدمنا، فليس لنا بقاء، وكما وصلت إليها ستخرج منها، ونحن خلائف فلا ملك لنا ولا تصريف في الواقع: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ «١» إذا كان هذا فلم هذا التناحر، والتهالك، والتباغض، والتكالب؟ ولماذا تبخلون بما جعلكم مستخلفين فيه؟
والله- سبحانه- رفع بعضكم فوق بعض درجات في العلم، والعمل، والغنى والفقر، ليبلوكم جميعا، كل بما عنده، فيختبر الغنى. هل يؤدى زكاة ماله؟ هل يتصدق بالفضل من ماله؟ هل يعطف على الفقير والمحتاج والمسكين أم هو نهم جشع، صلد، صلب كالحجر؟ نعم ويبلو الفقير هل يصبر ويرضى أم يشكو ويكفر؟
وإذا كان الله- سبحانه- قد رفع بعضنا فوق بعض، فما علينا إلا العمل والجد والصبر والرضا بقضاء الله وقدره، واعتقاد أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ «٢».
وعلى الجملة فهذا علاج نفسي لسل السخائم والتحاسد، والعلاج الاقتصادى معروف تشير إليه الآية أيضا وهو الاشتراكية الإسلامية الممثلة في الزكاة المطلقة والمقيدة والنظم المالية المعروفة في الفقه الإسلامى فقط والذي يوحى به مجتمعنا الإسلامى العربي.
إن ربك سريع العقاب، شديد العذاب، لا يهمل وإن أمهل، يمكّن للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. يخلق في الضعيف المسكين قوة يحار لها الملك الجبار، فاعتبروا بما مر بنا في هذه الأيام: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «٣». وإنه لغفور لكل تائب رحيم بكل محسن.

(١) سورة الحديد آية ٧.
(٢) سورة الحديد آية ٢٤.
(٣) سورة الشورى آية ٣٠. [.....]

صفحة رقم 692
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية