آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

ثمّ قال قُلْ يا محمد تَعالَوْا أَتْلُ أقرأ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ حقّا يقينا كما أوحى إليّ ربّي وأمرني به لا ظنّا ولا تكذيبا كما يزعمون أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً اختلفوا في محل أن فقال بعضهم: [محلّه] نصب، ثمّ اختلفوا في وجه انتصابه فقيل معناه: حرّم أن تشركوا ولا صلة كقولهم: (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ).
وقيل: إنّك ألّا تشركوا، وقيل: أوحى ألا تشركوا، وقيل: [ما] بدل [من] ما حرّم، وقيل: الكلام عند قوله حَرَّمَ رَبُّكُمْ ثمّ قال: عليكم أن لا تشركوا على الكفر، وقال بعضهم:
موضع [من] معناه: وهو أن لا تشركوا جهرا بكفركم، وأما بعده فيجوز أن يكون في محل النصب عطفا على قوله أَلَّا تُشْرِكُوا) وأن [... ] «١» لأنّه يجوز أن يكون جزم على الأقوى كقوله قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ.
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عطف بالنهي على الخبر قال الشاعر:
حج وأوصي بسليمي إلا عبدا... أن لا ترى ولا تكلم أحدا
ولا يزال شرابها مبردا «٢»
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ولا تئدوا بناتكم خشية العيش فإني أرزقكم وإياهم والإملاق الفقر ونفاد الزاد.
وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها يعني علانية وَما بَطَنَ يعني السرّ قال المفسّرون:
كانوا في الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسا في السرّ فحرّم الله تعالى الزنا في العلانية والسر وقال الضحاك: ما ظَهَرَ الخمر وَما بَطَنَ... وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [نهى وهي] نفس مؤمن أو معاهد إِلَّا بِالْحَقِّ يعني بما أباح قبلها وهي الارتداد والقصاص والرجم.
وروى مطر الوراق عن نافع بن عمر عن عثمان رضي الله عنه أشرف على أصحابه وقال:
علام يقتلونني فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلّا بإحدى ثلاث:

(١) كلمة غير مقروءة.
(٢) تفسير الطبري ٨: ١٠٨.

صفحة رقم 203

رجل زنا بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عامدا فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت أحدا فاقيد نفسي، ولا ارتدت منذ أسلمت، إنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله» [١٦٠] «١»
ذلِكُمْ النبيّ الذي ذكرت وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يعني بما فيه صلاحه وتثميره، وقال مجاهد: هو التجارة فيه، وقال الضحاك: أموال يبتغي له فيه ولا يأخذ من ربحه شيئا.
وقال ابن زيد: وأن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى لم يأكل، وقال الشعبي: من خالط مال اليتيم حتّى يفصل عليه فليخالطه، ومن خالطه ليأكل منه وليدعه حتّى يبلغ أشده.
وقال يحيى بن يعمر: بلوغ الحلم، وقال الشعبي: الأشد الحلم حيث يكتب له الحسنات وعليه السيئات، وقال أبو العاليّة: حتّى يعقل ويجتمع قوّته.
وقال الكلبي: الأشد ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة. وقال السدّي: هو ثلاثون سنة ثمّ جاء بعدها حتّى بلغوا النكاح.
والأشد جمع شدّ، مثل قدّ وأقدّ، وهو استحكام قوما لفتى وشبابه وسنه، ومنه شد النهار وهو ارتفاعه، يقال: أتيته شدّ النهار ومد النهار وقال الفضل بن محمد في شد بيت عنترة:

[عهدي به] شدّ النهار كأنّما خضب اللبان ورأسه بالعظلم «٢»
وقال آخر:
تطيف به شد النهار ضعينة طويلة أنقاء اليدين سحوق «٣»
وليس بلوغ الأشد ممّا يدع قرب ماله بغير الأحسن وقد تمّ الكلام.
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
[على الأبد] حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
فادفعوا إليه ماله إن كان رشيدا وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ
بالعدل لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
أي طاقتها في إيفاء الكيل والوزن، وقال أهل المعاني: معناه: إلّا يسعها ويحلّ لها ولا يخرج عليه ولا يضيق عنه وذلك أنّ لله تعالى من عباده أنّ كثيرا منهم ضيق نفسه عن أن يطيّب لغيره بما لا يجب عليها له فأمر المعطي بإيفاء الحق ربّه الذي هو له ويكلّفه الزيادة لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها، وأمر صاحب الحق بأخذ حقّه ولم يكلفه الرضا بأقل منه لمّا فيه في النقصان عليه من ضيق نفسه، فلم يكلّف نفسا منهما إلّا ما لا حرج فيه ولا يضيق عليه.
(١) الطبقات الكبرى: ٣/ ٦٧.
(٢) لسان العرب: ٣/ ٢٣٥.
(٣) لسان العرب: ١٠/ ١٥٤.

صفحة رقم 204

قال ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم فقد وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
أي فاصدقوا في الحكم والشهادة وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى
محذوف الاسم يعني ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قربة وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
يتّعظون.
قال ابن عباس: هذا الآيات محكمات لم ينسخهنّ شيء في جميع الكتب وهنّ محرّمات على بني آدم كلّهم وهنّ أمّ الكتاب من عمل بهن دخل الجنّة ومن تركهن دخل النار.
قال كعب الأحبار:

والذي نفس كعب بيده إنّ هذا لأوّل شيء في التوراة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الآيات.
وقال الربيع بن خيثم لأصحابه: ألا أقرأ عليكم صحيفة عليها خاتم محمد صلّى الله عليه وسلّم لم يفك فقرأ هذه الآية قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ وَأَنَّ هذا يعني وصّاكم به في هاتين الآيتين صِراطِي طريقي وديني مُسْتَقِيماً مستويا قويما فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعني الطرق المختلفة التي عداها مثل اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات فَتَفَرَّقَ فيمتدّ وتخالف [وتشتت] بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ عن طريقه ودين النبيّ الذي ارتضى وبها وصّى ذلِكُمْ الذي ذكرت وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني ثمّ قل يا محمد لهم آتينا موسى الكتاب، لأنّ موسى أوتي الكتاب قبل محمد عليهما الصلاة والسلام. وقيل: ثمّ بمعنى الواو لأنّهما حرفا عطف قال الشاعر:
قل لمن ساد ثمّ ساد أبوه ثمّ قد ساد قبل ذلك جدّه «١»
تَماماً نصب على القطع، وقيل: على التفسير عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ قال بعضهم: معناه تماما على المحسنين. ويكون (الَّذِي) بمعنى (من) وتقديره على الذين أحسنوا، لفظه واحد ومعناه جمع كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحجّ يريد الغازين والحاجين.
وقال الشاعر:
شبّوا عليّ المجد وشابوا واكتهل
يريد: واكتهلوا.
يدلّ عليه قراءة عبد الله بن مسعود (على الذين أحسنوا).
وقال أبو عبيد: معناه على كل من أحسن، ومعنى هذا القول أتممنا [طلب] موسى بهذا الكتاب، على المحسنين يعني أظهرنا فضله عليهم، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون. وقيل:
(١) البيت لأبي نؤاس في مدح العباس بن عبيد الله، كما في شرح الرضي على الكافية: ٤/ ٣٩٠.

صفحة رقم 205
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية