آيات من القرآن الكريم

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ

من التحريم، وفي ذلك تعريض بكذب من حرم ما لم يحرم الله
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ أي إن كذبوك فيما أخبرت به من التحريم فقل لهم: ربكم ذو رحمة واسعة إذ لا يعاجلكم بالعقوبة على شدة جرمكم، وهذا كما تقول عند رؤية معصية: ما أحلم الله! تريد لإمهاله عن مثل ذلك ثم أعقب وصفه بالرحمة الواسعة بقوله وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أي لا تغتروا بسعة رحمته، فإنه لا يرد بأسه عن مثلكم إما في الدنيا أو في الآخرة سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا الآية: معناها أنهم يقولون: إن شركهم وتحريمهم لما حرموا كان بمشيئة الله ولو شاء الله أن لا يفعلوا ذلك ما فعلوه، فاحتجوا على ذلك بإرادة الله له، وتلك نزغة جبرية، ولا حجة لهم في ذلك، لأنهم مكلفون مأمورون ألا يشركوا بالله، ولا يحللوا ما حرم الله ولا يحرموا ما حلل الله، والإرادة خلاف التكليف، ويحتمل عندي أن يكون قولهم: «لو شاء الله» قولا يقولونه في الآخرة على وجه التمني أن ذلك لم يكن، كقولك إذا ندمت على شيء: لو شاء الله ما كان هذا.
أي يتمنى أن ذلك لم يكن، ويؤيد هذا أنه حكى قولهم بأداة الاستقبال، وهي السين، فذلك دليل على أنهم يقولونه في المستقبل وهي الآخرة قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ توقيف لهم وتعجيز قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ لما أبطل حجتهم أثبت حجة الله ليظهر الحق ويبطل الباطل هَلُمَّ قيل: هي بمعنى هات فهي متعدية، وقيل: بمعنى أقبل فهي غير متعدية، وهي عند بعض العرب فعل يتصل به ضمير الاثنين والجماعة والمؤنث، وعند بعضهم:
اسم فعل فيخاطب بها الواحد والاثنان والجماعة والمؤنث على حد سواء، ومقصود الآية تعجيزهم عن إقامة الشهداء فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ أي إن كذبوا في شهادتهم وزوروا فلا تشهد بمثل شهادتهم..
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أمر الله نبيه صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم أنه يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم عليهم وذكر في هذه الآيات المحرمات التي أجمعت عليها جميع الشرائع ولم تنسخ قط في ملة، وقال ابن عباس: هي الكلمات [أو الوصايا العشر] التي أنزل الله على موسى أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً قيل: أن «١» هنا حرف

(١). أن هي المدغمة مع لا: ألّا.

صفحة رقم 279

عبارة وتفسير فلا موضع لها من الإعراب، ولا ناهية جزمت الفعل، وقيل: أن مصدرية في موضع رفع تقديره: الأمر ألا تشركوا، فلا على هذا نافية، وقيل: أن في موضع نصب بدلا من قوله ما حرم، ولا يصح ذلك إلا إن كانت لا زائدة وإن لم تكن زائدة فسد المعنى لأن الذي حرم على ذلك يكون ترك الإشراك، والأحسن عندي أن تكون أن مصدرية في موضع نصب على البدل ولا نافية ولا يلزم ما ذكر من فساد المعنى، لأن قوله ما حرم ربكم: معناه ما وصاكم به ربكم بدليل قوله في آخر الآية: ذلكم وصاكم به فضمن التحريم معنى الوصية، والوصية في المعنى أعمّ من التحريم، لأن الوصية تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، ولا ينكر أن يريد بالتحريم الوصية لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، إذ تقرر هذا، فتقدير الكلام:
قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه على وجه التفسير له والبيان، فقال: أن لا تشركوا به شيئا، أي وصاكم ألا تشركوا به شيئا ووصاكم بالإحسان بالوالدين، ووصاكم أن لا تقتلوا أولادكم، فجمعت الوصية ترك الإشراك وفعل الإحسان بالوالدين وما بعد ذلك ويؤيد هذا التأويل الذي تأولنا: أن الآيات اشتملت على أوامر: كالإحسان بالوالدين وقول العدل والوفاء في الوزن، وعلى نواهي: كالإشراك وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، فلا بد أن يكون اللفظ المقدم في أولها لفظا يجمع الأوامر والنواهي، لأنها أجملت فيه، ثم فسرت بعد ذلك، ويصلح لذلك لفظ الوصية لأنه جامع للأمر والنهي، فلذلك جعلنا التحريم بمعنى الوصية ويدل على ذلك ذكر لفظ الوصية بعد ذلك، وإن لم يتأول على ما ذكرناه:
لزم في الآية إشكال، وهو عطف الأوامر على النواهي، وعطف النواهي على الأوامر، فإن الأوامر طلب فعلها، والنواهي طلب تركها، وواو العطف تقتضي الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا يصح ذلك إلا على الوجه الذي تأولناه من عموم الوصية للفعل والترك.
وتحتمل الآية عندي تأويلا آخر، وهو: أن يكون لفظ التحريم على ظاهره، ويعم فعل المحرمات، وترك الواجبات لأن ترك الواجبات حرام وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ الإملاق الفاقة، ومن هنا للتعليل تقديره: من أجل إملاق، وإنما نهى عن قتل الأولاد لأجل الفاقة، لأن العرب كانوا يفعلون ذلك، فخرج مخرج الغالب فلا يفهم منه إباحة قتلهم بغير ذلك الوجه ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ قيل ما ظهر: الزنا، وما بطن: اتخاذ الأخدان والصحيح أن ذلك عموم في جميع الفواحش وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ فسره قول رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:

صفحة رقم 280
التسهيل لعلوم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي
تحقيق
عبد الله الخالدي
الناشر
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية