آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

اقتضت التأجيل، وأن ما يوعدون به آت لا ريب فيه وهم غير معجزين لله وغير خارجين عن نطاق قدرته وجبروته. أما الآية الثالثة فقد احتوت أمرا للنبي ﷺ ليقول للذين وقفوا منه موقف الجحود والعناد بأسلوب فيه تحدّ ويقين سيروا وابقوا على ما أنتم عليه، وأنا سائر وثابت على ما أنا عليه والمستقبل بيننا حيث يعرف الذي تكون له العاقبة الحسنى والفوز النهائي من الفريقين، ولن يصيب الظالمون نجاحا ولا فوزا.
وظاهر أن الآيات استمرار في التعقيب على ما سبق من الآيات وإنذار قوي بأسلوب رصين نافذ إلى العقول والقلوب معا. ومن شأنه بث البشرى والطمأنينة والوثوق في قلب النبي ﷺ والمؤمنين بأنهم على الحق وأنهم المفلحون في العاقبة وقد تحقق ذلك فعلا فكان فيها معجزة باهرة.
وقد جاءت الآيات في الوقت نفسه خاتمة قوية ثانية لمواقف المناظرة واللجاج القائمة بين النبي ﷺ والكفار والتي ما فتئت الفصول التي جاءت بعد سلسلة قصص الأنبياء تحكي صورها المتنوعة استئنافا لمثلها قبل هذه السلسلة.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٦ الى ١٤٠]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)

صفحة رقم 161

(١) ذرأ: خلق.
(٢) الحرث: الزروع وغلاتها.
(٣) ليردوهم: ليوقعوهم في هوة الضلال والإثم.
(٤) ليلبسوا عليهم دينهم: ليخلطوا ويشوشوا عليهم في دينهم وعقائدهم.
(٥) حجر: محجورة أو موقوفة أو ممنوعة.
(٦) لا يطعمها: لا يأكل منها.
(٧) الأنعام: الكلمة تشمل الغنم (الضأن والمعز) والإبل والبقر.
(٨) سفها: جهلا.
في الآيات إشارة تنديدية إلى بعض عادات وتقاليد كان العرب يمارسونها ويصبغونها بصبغة دينية، فقد كانوا ينذرون شيئا من أنعامهم وزروعهم لله تعالى وشيئا للشركاء الذين كانوا يدعونهم ويعبدونهم معه. وكانوا يحابون بين قسم الله وقسم الشركاء. فإذا ظهر أن الأول أكثر نتاجا أو غلة بدلوا في التقسيم ليكون هذا من قسم الشركاء ولا يفعلون العكس. وكان بعضهم يقتل أولاده بوسوسة الشياطين وتزيينهم. وكانوا ينذرون تحريم أكل بعض الأنعام وغلات الزروع على أناس دون أناس. وينذرون تحريم ركوب بعض الأنعام وتحميلها ولا يذكرون اسم الله على ما يذبحونه منها. وكانوا ينذرون بعض ما في بطون أنعامهم للذكور دون الإناث إذا ولد حيا ويشركون الإناث فيما يولد ميتا. وكانوا يفعلون كل هذا على اعتبار أنها تقاليد دينية مقدسة. ويظنون أنهم في ممارستهم لها إنما يتقربون إلى الله تعالى ليحقق لهم مطالبهم ورغباتهم التي ينذرون نذورهم من أجلها.
وقد نعت الآيات هذه التقاليد والعادات الباطلة وقررت أن الذين يمارسونها

صفحة رقم 162

يسيرون وراء وسوسة الشياطين وتزييناتهم وأنهم في نسبتها إلى الله سبحانه يفترون الكذب عليه وأن كل من يقتل ولده ويحرّم ما رزقه الله وينسب ذلك إلى أصل ديني إلهي جهلا أو كذبا هو ضالّ وليس على حقّ وهدى.
تعليق على «تقاليد المشركين في الأنعام والحرث وحجرهما وقتل الأولاد نذرا لله أو لمعبوداتهم»
ولم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه مناسبة خاصة لنزول الآيات التي تبدو فصلا ذا موضوع جديد. وعطفها على ما سبقها وإضمار الفعل في (وجعلوا) الذي يعود كما هو واضح إلى أناس كانوا موضوع الحديث في الآيات المعطوف عليها وهم المشركون يجعل الصلة قائمة بينها وبين ما سبقها كما هو المتبادر، بحيث يسوغ القول إن الآيات جاءت استطرادية للتنديد بالمشركين بسبب ما كانوا يمارسونه من عادات وتقاليد سخيفة يصبغونها بصبغة دينية وينسبونها إلى الله سبحانه افتراء وجهلا في حين أنها من وساوس الشياطين.
وقتل الأولاد المذكور في الآية الثانية ليس هو كما يتبادر لنا من روحها وأد البنات الذي أشير إليه في سورة التكوير التي سبق تفسيرها، ولا قتل الأولاد خشية الإملاق الذي نهي عنه في سورة الإسراء التي سبق تفسيرها أيضا، وإنما هو تقليد من التقاليد الجاهلية الدينية كان يمارسه العرب على سبيل النذر، حيث كانوا إذا ما اشتد على أحدهم خطب أو كان له مطلب عظيم نذر بتقريب أحد أولاده قربانا لله أو للشركاء.
وقد روت الروايات «١» أن عبد المطلب جدّ النبي ﷺ نذر مثل هذا النذر. وأن امرأة بدوية نذرت أن تنحر ابنها عند الكعبة إن فعلت شيئا عينته ففعلته فأرادت أن تفي بنذرها بعد الإسلام فقيل لها إن الله قد حرّم ذلك فأفدت كما فدى عبد المطلب ابنه «٢».

(١) انظر سيرة ابن هشام ج ١ ص ١٤١ وما بعدها.
(٢) انظر تاريخ العرب قبل الإسلام جواد علي ج ٥ ص ٢٠٠.

صفحة رقم 163

ومهما قيل في هذه الروايات فإن ورود الإشارة إلى هذا التقليد في القرآن دليل على أن العرب كانوا يمارسونه.
ولقد ورد في سورة الصافات آيات تذكر أن إبراهيم عليه السلام أمر في منامه بذبح ابنه قربانا لله كما ترى في هذه الآية: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) وهذه القصة واردة في سفر التكوين أيضا «١». فلا يبعد أن يكون التقليد الجاهلي مقتبسا من هذا التقليد القديم أو متصلا به ولا سيما أن العرب كانوا كما قلنا في مناسبات سابقة يتداولون صلة بنوّتهم بإبراهيم وسيرهم في تقاليدهم وفق تقاليد إبراهيم وملّته.
أما التقاليد الأخرى فالمستفاد مما رواه المفسرون «٢» أنها من حيث أساسها كانت تهدف إلى التقرب إلى الله والشركاء بقصد تكثير النسل والغلات أو الشكر إذا كثر النسل والغلات أو إذا تحقق للمشركين مطلب. ويبدو من الآية الأولى أنهم كانوا يحابون شركاءهم ويحولون نصيب الله إليهم إن كان هو الأفضل انسياقا وراء مفهوم مألوف في معاملات الناس وصلاتهم ببعضهم حيث يرون أنهم لا بد لهم من شفعاء لدى الله لتحقيق مطالبهم، وأن الحصول على رضاء هؤلاء الشفعاء هو المهم في نظرهم لأن شفاعتهم مقبولة لدى الله حتما في تصورهم.
ومما رواه المفسرون من تفصيل في سياق هذه الآيات أنهم كانوا يجعلون ما لله للضيوف وما للشركاء لسدنة الأوثان الرامزة إلى الشركاء. وأنه كان إذا نزل الماء في أرض منذورة لله دون المنذورة للشركاء أو إذا كانت غلة الأرض أو نتاج الأنعام المنذورة لله أحسن من المنذور للشركاء حولوها للشركاء. وإذا سقط شيء مما هو منذور لله في نصيب المنذور للشركاء أبقوه فيه وإذا سقط شيء مما هو للشركاء في

(١) الإصحاح ٢٢.
(٢) انظر تفسير الآيات في كتب الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.

صفحة رقم 164

نصيب الله ردوه إلى نصيب الشركاء وإذا أصابهم جوع أكلوا مما نذروه لله دون المنذور للشركاء، وقالوا إن الله غني عن نصيبه دون الشركاء. والغالب أن هذا كان يجري بإيعاز من السدنة لأنهم أصحاب الحظ والمصلحة.
ولم يذكر المفسرون شيئا واضحا في صدد جملة: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ [١٣٨] والمتبادر أنهم كانوا ينذرون بعض الأنعام والزروع لأناس ويحرمونها على أناس. ويعتبرون نذرهم هذا إلزاما دينيا لهم ولم يرووا شيئا واضحا كذلك في صدد الآية [١٣٩] وإنما قالوا قولين في تفسير جملة: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ أحدهما أنها تعني اللبن وثانيهما أنها تعني الجنين. والقول الثاني هو الأوجه بقرينة جملة وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ التي وردت في نفس الآية. والمتبادر أنهم كانوا ينذرون الأجنة قبل ولادتها للذكور فإذا جاءت حية اعتبروا ذلك علامة رضاء الله والشركاء فحرموا أكلها على الإناث وإذا جاءت ميتة اعتبروا أن الله والشركاء لم يرضوا عن نذرهم فأكلوا الميتة هم ونساؤهم معا.
أما ما جاء في الآية [١٣٩] من الإشارة إلى تحريم ظهور بعض الأنعام فقد كان بسبب اعتبارات ونذور معينة. وكان يطلق على الأنعام نتيجة لها اصطلاحات خاصة. وقد ذكرت هذه الاصطلاحات في آية سورة المائدة هذه: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ [١٠٣] وروى المفسرون أنهم كانوا يشقّون أذن الناقة التي تنتج خمسة بطون ويخلون سبيلها شكرا لله فلا يركبونها ولا يحلبونها ولا يجزون وبرها ولا يمنعونها من كلأ وماء ويسمونها (بحيرة) اشتقاقا من (بحر) بمعنى شق الأذن. وكانوا إذا مرض لهم مريض أو كانت لهم أمنية أو طال عليهم غياب غائب نذروا أن يعتقوا ناقة يعينونها فإذا شفي المريض أو تحققت الأمنية أو عاد الغائب (سابوا) الناقة المذكورة وسموها (سائبة) وصار له من المزايا ما ذكرناه في صدد البحيرة وكانوا إذا أنتج الفحل عشرة بطون أعتقوه وسموه (حاميا) أي حمى نفسه وصار له نفس المزايا. وكانوا إذا ولدت الشاة لأول مرة أنثى كانت لهم

صفحة رقم 165
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية