
وقوله: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ (١٣١) إن شئت جعلت (ذَلِكَ) فِي موضع نصب، وجعلت (أن) مما يصلح فِيهِ الخافض فإذا حذفته كانت نصبًا. يريد: فعل ذَلِكَ أن لَمْ يكن مهلك القرى.
وإن شئت جعلت (ذَلِكَ) رفعًا عَلَى الاستئناف إن لَمْ يظهر الفعل. ومثله:
ذلِكَ «١» بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وذلِكَ «٢» بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ. ومثله: ذلِكَ «٣» لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، وذلِكُمْ «٤» وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ الرفع والنصب فيه كله جائز.
وقوله: مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ يقول: لَمْ يَكُنْ ليهلكهم بظلمهم وهم غافلونَ لَمَّا يأتهم رسول ولا حُجَّة. وقوله فِي هود: وَما «٥» كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم، يقول: بشركهم (وأهلها مصلحون) يتعاطَون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه- وهو أحبّ إليّ من ذا لأن الشرك أعظم الذنوب- والمعنى والله أعلم: لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون.
وقوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ (١٣٥) (من «٦» تكون له) فِي موضع «٧» رفع، ولو نصبتها «٨» كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ «٩» يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.
(٢) آية ١٨٢ سورة آل عمران.
(٣) آية ٥٢ سورة يوسف.
(٤) آية ١٨ سورة الأنفال.
(٥) آية ١١٧.
(٦) ثبت فى ج. وسقط فى ش.
(٧) على أنه اسم استفهام مبتدأ. والفعل معلق.
(٨) على أنه اسم موصول.
(٩) آية ٢٢٠ سورة البقرة.

وقوله: مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِذَا «١» كَانَ الفعل فِي مذهب مصدر مؤنثًا مثل العاقبة، والموعظة، والعافية، فإنك إِذَا قدّمت فعله قبله أنَّثْتَهُ وذكّرته كما قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ «٢» جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ بالتذكير، وقال «٣» : قَدْ «٤» جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ بالتأنيث. وكذلك وَأَخَذَ «٥» الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ «٦» فلا تهابنّ من هَذَا تذكيرًا ولا تأنيثا.
وقوله: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ (١٣٦) وبرعمهم، وزِعْمِهم، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر «٧» الزَّاي أحدٌ نعلمه. والعربُ قد تَجعل الحرف فِي مثل هَذَا فيقولون: الفَتْك «٨» والفُتْك والفِتْك، والوُدّ والوِدّ والوَدّ، فِي أشباه لَهَا. وأجود ذَلِكَ ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وَفِي قراءة عبد الله «وهذا لشركائِهم» وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: قَالَ عبد الله: إِنّ لَهُ مالا، وإِنّ لي مالا، وهو يريد نفسه. وقد قَالَ الشاعر:
رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا | إِنَّا رأينا رجلًا عُريانا |
(٢) آية ٢٧٥ سورة البقرة.
(٣) كذا فى ج. وسقط هذا الفعل فى ش.
(٤) آية ٥٧ سورة يونس.
(٥) آية ٦٧ سورة هود.
(٦) آية ٩٤ سورة هود.
(٧) وإنما قرى بفتحها وضمها. والضمّ قراءة الكسائي ويحيى بن وثاب والسلمى والأعمش، وهو لغة بنى أسد. والفتح قراءة الباقين، وهو لغة أهل الحجاز.
(٨) هو مصدر فتك إذا ركب ما هتم به من الأمور ودعت إليه نفسه. وفى ش، وج: «القتل» وهو تحريف.

وقوله: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ (١٣٧) وهم قوم كانوا يَخدمون آلهتهم، فزيَّنوا لَهُم دفن البنات وهنّ أحياء. وَكَانَ أيضًا أحدهم يقول: لئن وُلد لي كذا وكذا من الذكور لانحرنّ واحدًا. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع لانهم الَّذِينَ زَيَّنوا.
وَكَانَ بعضهم يقرأ: «وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ» فيرفع القتل إِذَا لَمْ يسمّ فاعله، ويرفع (الشركاء «١» ) بفعل ينويه كأنه قَالَ: زيَّنه لَهم شركاؤهم. ومثله قوله: يُسَبِّحُ «٢» لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ثم قال: رِجالٌ «٣» لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ. وَفِي بعض «٤» مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء، فإن تكن مثبتة «٥» عَن الأوّلين فينبغي أن يقرأ (زُيِّنَ) وتكون الشركاء هم الأولاد لانهم منهم فِي النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عِشايا «٦» ثُمَّ يقولون فِي تثنية (الحمراء «٧» :
حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا: «زُيِّنَ لكثيرٍ مِنَ المشركين قتل أولادهم
(٢) آية ٣٦ سورة النور. وفتح الباء فى «يسبح» قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم.
(٣) آية ٣٧ سورة النور.
(٤) وعليها قراءة ابن عامر.
(٥) كذا فى ج. وفى ش: «على».
(٦) أي يبقون حرف العلة فى الطرف بعد الألف الزائدة على أصله ولا يبدلونه همزة فيقولون بنيت بنايا لا بناء. وانظر فى هذه اللغة اللسان (حمو). وهو يريد أنه اتباعا لهذه اللغة ولما ذكر بعد من قولهم فى تثنية حمراء: حمرايان ينطق بالهمزة ياء. وعلى ذلك فالشركاء يقال فيها الشركاى. ويحمل على هذا ما فى بعض مصاحف أهل الشام.
(٧) فى ش: «أحمر أحمريان» وما هنا عن ج. [.....]