آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

وقال أهل المعاني: لم يكن من الجن رسول وإنما الرسل من الإنس خاصة وهذا كقوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «١» وإنما يخرج من المالح دون العذب.
وقوله يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ «٢» وهي أيام العشر وإنما الذبح في يوم واحد من العشر فهو يوم النحر. وقوله وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً «٣» وإنما هو في سماء واحدةالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا
أقروا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ أي بشرك من أشرك وَأَهْلُها غافِلُونَ حتى يبعث إليهم رسلا ينذرونهم. وقيل: معناه: لم يكن ليهلكهم دون البينة والتذكير بالرسل والآيات فيكون قد ظلمهم وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا يعني بالثواب والعقاب على قدر أعمالهم في الدنيا منهم من هو أشد عذابا ومنهم من هو أجزل ثوابا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ.
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ بعلمه ذُو الرَّحْمَةِ بهم إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ثم يميتكم ويهلككم وَيَسْتَخْلِفْ يخلق مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ خلقا غيركم أمثل وأطوع منكم.
وقال عطاء: يريد الصحابة والتابعين كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ قرنا بعد قرن، وقال مقاتل: يعني أهل سفينة نوح. وقرأ زيد بن ثابت: ذِرِّيَّةِ بكسر الذال مشدّدة.

(١) سورة الرحمن: ٢٢
. (٢) سورة الحج: ٢٨
. (٣) سورة نوح: ١٦
.

صفحة رقم 192

وقال أبان بن عثمان: ذَرِيَّةِ بفتح الذال وكسر الراء خفيفة على قدر فعله، الباقون: بضم الذال مشددة، وهي لغات صحيحة. وقال ثعلب: الذرية بالكسر الأصل، والذرية بالضم الولد إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ لجائي كائن وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ بفائتين سابقين أي حيث كنتم يدرككم. والإعجاز أن يأتي بالشيء يعجز عنه خصمه ويقصر دونه فيكون قد قهره وجعله عاجزا عنه قُلْ يا محمد لهم يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ.
قال ابن عباس: على ناحيتكم. قال ابن زيد: على حيالكم. يمان: على مذاهبكم. عطاء:
على حالتكم التي أنتم عليها. مقاتل: على جديلتكم. مجاهد: على وتيرتكم. الكلبي: على منازلكم. وقيل: اعملوا ما أمكنكم.
قرأ السلمي وعاصم: مكاناتكم على الجمع في كل القرآن.
إِنِّي عامِلٌ يقول اعملوا ما أنتم عاملون فإني عامل ما أمرني ربي، وهذا أمر وعيد وتهديد لا أمر إباحة وإطلاق كقوله اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ. «١»
وقال الكلبي: معناه اعملوا ما أمكنكم من أمري فإني عامل في أموركم بإهلاك.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ قرأ مجاهد وأهل الكوفة: يكون بالياء، الباقون: بالتاء، لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ يعني الجنة إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أي لا يأمن الكافرون.
قال عطاء: لا يبعد. وقال الضحاك: لا يفوز. وقال عكرمة: لا يبقى في الثواب.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً.
قال المفسرون: كانوا يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيبا وللأوثان نصيبا فما كان للصنم أنفق عليه، وما كان لله أطعم الضيفان والمساكين ولا يأكلون من ذلك كله شيئا فما سقط مما جعلوا لله في نصيب الأوثان تركوه. وقالوا: إن الله غني عن هذا، وإن سقط مما جعلوه للأوثان في نصيب الله التقطوه فردوه إلى نصيب الصنم وقالوا: إنه فقير.
وكانوا إذا بذروا ما وقع من بذر الله في حصة الصنم تركوه، وما وقع من حصّة الصنم في حصّة الله تعالى ردوه وان انفجر من سقي ماء جعلوه للشيطان في نصيب الله، شدّوه، وإن انفجر من سقي ماء جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه. فإذا هلك الذي سموا لشركائهم أو أجدب وكثر الذي لله، قالوا: ليس لآلهتنا بدّ من نفقة فأخذوا الذي لله وأنفقوا على الهتهم فإذا أجدب الذي لله وكثر الذي لآلهتهم قالوا: لو شاء الله لأزكى الذي له فلا يردون عليه شيئا مما للآلهة فإذا أصابتهم السنة استعانوا بما جزوا منه ووفروا بما يجزون لشركائهم وذلك قوله تعالى مما ذَرَأَ مِنَ

(١) سورة فصلت: ٤٠
.

صفحة رقم 193

الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً أي مما خلف من الحرث والأنعام نصيبا، وفيه إضمار واختصار مجازه: وجعلوا لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ.
يحيى بن رئاب والسلمي والأعمش والكسائي: بالضم.
وقرأ الباقون: بالفتح. وهما لغتان وهو القول من غير حقيقة.
سمعت الحسين يقول: سمعت العنبري عن أبي العباس الأزهري عن أبي حاتم إنه قال:
قال شريح القاضي: إن لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا، والزعم أيضا في الطمع وَهذا لِشُرَكائِنا يعني الأوثان فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي بئس ما كانوا يقضون وَكَذلِكَ زَيَّنَ أي كما زين لهم تحريم الحرث والأنعام كذلك زين لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ (ساء) موضع فرفع والمعنى:
ساء الحكم حكمهم شُرَكاؤُهُمْ يعني شياطينهم زيّنوا وحسّنوا لهم وأد البنات خيفة العيلة.
وقال الكلبي: شركاؤهم سدنة الهتهم هم الذين كانوا يزينون للكفار قتل أولادهم. وكان الرجل في الجاهلية يحلف بالله لئن ولد له كذا غلاما لينحرنّ أحدهم كما حلف عبد المطلب على ابنه عبد الله «١».
وقرأ أهل الشام: زين بالضم، قتل: رفع، أولادهم نصب، شركائهم بالخفض على التقديم، كأنه قال: زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم. ففرّقوا بين الفعل وفاعله.
يقول الشاعر:

يمر على ما يستمر وقد شقت غلائل غير نفس صدورها
يريد شقت.
عبد القيس: غلائل صدورها.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: زُين بضم الزاي قتلُ رفعا، أَوْلادِهِمْ خفضا، شُرَكاؤُهُمْ رفعا على [التوضيم] «٢» والتكرير.
كأنه لما قال: زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم. تم الكلام. ثم قال: من زيّنه؟
فقال: شركاؤهم أي زيّنه شركاؤهم فارتفع الشركاء بفعل ضمير دلّ عليه زين، كما تقول: أكل اللحم زيد: كأنه قيل: من الآكل فتقول زيد.
(١) تفسير القرطبي: ٧/ ٩١
. (٢) هكذا في الأصل
.

صفحة رقم 194

قال الشاعر:

ليبك لزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح «١»
فزيد مفعول مستقل بنفسه غير مسمّى فاعله، ثم بيّن فقال: ضارع.
أي ليبكيه ضارع، وقوله تعالى لِيُرْدُوهُمْ ليهلكوهم وَلِيَلْبِسُوا أي ليخلطوا ويشبهوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه وَلَوْ شاءَ اللَّهُ هداهم ووفقهم وعصمهم عن ما فَعَلُوهُ ذلك من تحريم الأنعام والحرث، وقيل: الأولاد فَذَرْهُمْ يا محمد وَما يَفْتَرُونَ يختلقون على الله الكذب فإن الله لهم بالمرصاد ولا يُخْلِفُ الْمِيعادَ وَقالُوا يعني المشركين هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ يعني ما كانوا جعلوه لله ولآلهتهم التي قد مضى ذكرها «٢».
وقال مجاهد: يعني بالأنعام، البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، والحجر: الحرام. قال الله تعالى ويقولون حِجْراً مَحْجُوراً «٣» أي حراما حرما.
قال الليث:
حنّت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس «٤»
وأصله من الحجر وهو المنع والحظر، ومنه: حجر القاضي على المفسد.
وقرأ الحسن وقتادة: وحرث حُجر بضم الحاء وهما لغتان. وقرأ أبي بن كعب وابن عباس وابن الزبير وأبي طلحة والأعمش: وحرث حرج بكسر الحاء والراء قبل الجيم وهي لغة أيضا مثل جذب وجبذ.
وأنشد أبو عمرو:
ألم تقتلوا الحرجين إذ أعرضا لكم يمران بالأيدي اللحاء المضفرا «٥»
لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ يعنون الرجال دون النساء وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعني الحامي إذا ركب ولد ولده. قالوا: حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا.
قال مجاهد: كانت لهم من أنعامهم طائفة لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ولا في شيء من شأنها لا أن ركبوا ولا أن حلبوا ولا أن نتجوا ولا أن باعوا ولا أن حملوا.
(١) لسان العرب: ٢/ ٥٣٦، والبيت أنشده سيبويه
. (٢) تفسير الطبري: ٨/ ٥٩
. (٣) سورة الفرقان: ٢٢
. (٤) كتاب العين: ٤/ ١٢٠، ولسان العرب: ٦/ ٩٠، والبيت الجرير، ويروى حجّت
. (٥) لسان العرب: ٢/ ٢٣٦، والبيت للهذلي
.

صفحة رقم 195

وقال أبو عاصم: قال لي أبو وائل: أتدري ما أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها؟ قلت: لا. قال: لا يحجّون عليها.
وقال الضحاك: هي التي إذا ذكوها أهلوا عليها بأصنامهم ولا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ «١» يعني إنهم كانوا يفعلون ذلك ويزعمون إن الله أمرهم به سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا.
قال ابن عباس والشعبي وقتادة: يعني ألبان النحائر كانت للذكور دون النساء فإذا ماتت اشترك في لحمها ذكورهم وإناثهم.
وقال السدي: يعني أخذ النحائر ما ولد منها أخذ خالص للرجل دون النساء [وأما ما ولد ميت فيأكله] الرجال والنساء، ودخل الهاء في (خالِصَةٌ) على التأكيد والمبالغة، كما فعل ذلك بالراوية والنسابة والعلامة.
قال الفراء: أهلت الهاء لتأنيث الأنعام، لأن ما في بطنها مثلها، فأنث لتأنيثها قال: وقد يكون الخالصة كالعاقبة ومنه قوله إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «٢»، وقرأ عبد الله والأعمش: خالص لذكورنا بغير الهاء ردّا إلى ما، وقرأ ابن عبّاس: خالصة بالإضافة [ويخلص] والخالصة والخليصة والخلصان واحد. قال الشاعر:

كنت أميني وكنت خالصتي وليس كل امرئ بمؤتمن «٣»
وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا يعني النساء وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً قرأ أهل المدينة: تكن بالتاء، ميتةٌ بالرفع على معنى: وإن تقع الأنعام ميتة، وقرأ أهل مكّة: يَكُنْ بالياء، ميتةٌ بالرفع على معنى:
وإن يقع ما في بطون الأنعام ميتة، وقرأ الأعمش: تكن بالتاء، مَيْتَةً نصبا على معنى: وإن يكن [ما في بطون الأنعام ميتة] «٤» وقرأ الباقون: يَكُنْ بالياء، مَيْتَةً بالنصب، ردّوه إلى ما يؤيّد ذلك قوله: فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ولم يقل: فيها. سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ أي بوصفهم وعلى وصفهم الكذب على الله كقوله وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ «٥» والوصف والصفة واحد كالوزن والزنة والوعد والعدة، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً الآية نزلت في ربيعة ومضر وفي العرب الذين يدفنون بناتهم أحياء مخافة السبي والفقر، إلّا ما كان من بني كنانة فإنّهم كانوا لا يفعلون ذلك.
(١) سورة الأنعام: ١٣٨.
(٢) سورة ص: ٤٦.
(٣) البيت من أبيات قالها سليمان بن قتة يرثي بها الإمام الحسن عليه السلام كما في شرح النهج لابن أبي الحديد: ٦/ ٥٢ وفيه بدل العجز المذكور هنا قوله:
لكل حي من أهله سكن
. [.....]
(٤) زيادة عن تفسير القرطبي: ٧/ ٩٦.
(٥) سورة النحل: ٦٢.

صفحة رقم 196
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية