آيات من القرآن الكريم

إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ۖ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣١ الى ١٣٤]

ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤)
ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِ الرُّسُلِ وَعَذَابِ مَنْ كَذَّبَهُمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ، أي: لم يكن يهلكهم بِظُلْمٍ، أَيْ: بِشِرْكِ مِنْ أَشْرَكَ، وَأَهْلُها غافِلُونَ، لَمْ يُنْذَرُوا حَتَّى يبعث إِلَيْهِمْ رُسُلًا يُنْذِرُونَهُمْ [١]، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يُهْلِكْهُمْ بِذُنُوبِهِمْ مِنْ قَبْلِ أن تأتيهم الرسل. وقيل: معناه ما لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ دُونَ التَّنْبِيهِ وَالتَّذْكِيرِ بِالرُّسُلِ فَيَكُونُ قَدْ ظَلَمَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى السُّنَةَ أَنْ لَا يَأْخُذَ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الذَّنْبِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُذْنِبًا إِذَا أُمِرَ فَلَمْ يأتمر أو نهي فلم ينته، وذلك يكون بَعْدَ إِنْذَارِ الرُّسُلِ.
وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا، يَعْنِي: فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَشَدُّ عَذَابًا وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَجْزَلُ ثَوَابًا، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (تَعْمَلُونَ) بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ.
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ، عَنْ خَلْقِهِ، ذُو الرَّحْمَةِ، قَالَ ابن عباس: بِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِخَلْقِهِ ذُو التَّجَاوُزِ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ، يُهْلِكْكُمْ، وَعِيدٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَيَسْتَخْلِفْ، ويخلف وينشىء، مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشاءُ، خَلْقًا غَيْرَكُمْ أَمْثَلَ وَأَطْوَعَ، كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ، أَيْ: من نسل آبَائِهِمُ الْمَاضِينَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ، أَيْ: مَا تُوعَدُونَ مِنْ مَجِيءِ السَّاعَةِ وَالْحَشْرِ، لَآتٍ، كَائِنٌ، وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ، أَيْ: بِفَائِتِينَ، يَعْنِي: يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ حيث ما كنتم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٥ الى ١٣٧]
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (١٣٦) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧)
قُلْ يَا مُحَمَّدُ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ، قَرَأَ أَبُو بكر عن عاصم، مَكانَتِكُمْ، بِالْجَمْعِ حَيْثُ كَانَ، أَيْ: عَلَى تَمَكُّنِكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: عَلَى حَالَاتِكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: اعْمَلُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أُمِرَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى حَالَةٍ: عَلَى مَكَانَتِكَ يَا فُلَانُ، أَيْ: اثْبُتْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرُ وعيد عن المبالغة يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: قل لهم اعملوا مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ، إِنِّي عامِلٌ، مَا أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ، أَيِ: الْجَنَّةُ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:
«يَكُونُ» بِالْيَاءِ هاهنا وَفِي الْقَصَصِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْعَاقِبَةِ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، قال ابن
(١) في المخطوط «رسولا ينذرهم».

صفحة رقم 161

عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ لَا يَسْعَدُ مَنْ كَفَرَ بِي وَأَشْرَكَ. قَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَفُوزُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً الْآيَةَ، كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ نَصِيبًا، وَلِلْأَوْثَانِ نَصِيبًا فَمَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ صَرَفُوهُ إِلَى الضِّيفَانِ وَالْمَسَاكِينِ، وَمَا جعلوه للأصنام [أنفقوا عَلَى الْأَصْنَامِ] [١] وَخَدَمِهَا، فَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي نَصِيبِ الْأَوْثَانِ تَرَكُوهُ وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ هَذَا، وَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِ الْأَصْنَامِ فِيمَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ رَدُّوهُ إِلَى الْأَوْثَانِ، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُحْتَاجَةٌ، وَكَانَ إِذَا هَلَكَ أَوِ انْتَقَصَ شَيْءٌ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ لَمْ يُبَالُوا بِهِ، وَإِذَا هَلَكَ أَوِ انْتَقَصَ شَيْءٌ مِمَّا جَعَلُوا لِلْأَصْنَامِ جَبَرُوهُ بِمَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ خَلَقَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ مَجَازُهُ:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا وَلِشُرَكَائِهِمْ نَصِيبًا، فَقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِزَعْمِهِمْ بِضَمِّ الزَّايِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَهُوَ الْقَوْلُ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ، وَهذا لِشُرَكائِنا، يَعْنِي: الْأَوْثَانَ، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، وَمَعْنَاهُ: مَا قُلْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يتمون ما جعلوا لِلْأَوْثَانِ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ، وَلَا يُتِمُّونَ مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلْأَوْثَانِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا إِذَا أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ اسْتَعَانُوا بِمَا جزّءوا لله وأكلوا منه فوفّروا ما جزّؤوا لشركائهم ولم يأكلوا منه، ساءَ مَا يَحْكُمُونَ، أَيْ: بِئْسَ ما يقضون [٢].
وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أي: وكما زَيَّنَ لَهُمْ تَحْرِيمَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ كَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: شُرَكَاؤُهُمْ، أَيْ: شَيَاطِينُهُمْ زَيَّنُوا وَحَسَّنُوا لَهُمْ وَأْدَ الْبَنَاتِ خِيفَةَ الْعَيْلَةِ، سُمِّيَتِ الشَّيَاطِينُ شُرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَأُضِيفَ الشُّرَكَاءُ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوهَا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: شركاؤهم سدنة آلهتهم [هم] [٣] الَّذِينَ كَانُوا يُزَيِّنُونَ لِلْكُفَّارِ قَتَلَ الأولاد، وكان الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَحْلِفُ لَئِنْ وُلِدَ له كذا غلاما لَيَنْحَرَنَّ أَحَدُهُمْ كَمَا حَلَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: زُيِّنَ بِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِ الْيَاءِ، قَتْلُ رَفْعٌ أَوْلَادَهُمْ نَصْبٌ، شُرَكَائِهِمْ بِالْخَفْضِ عَلَى التَّقْدِيمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ شُرَكَائِهِمْ أَوْلَادَهُمْ، فَصَلَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ بِالْمَفْعُولِ به وهو الْأَوْلَادُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَزَجَجْتُهُ متمكّنا [بمزجة] [٤] زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَهْ [٥]
أَيْ: زَجَّ أَبِي مَزَادَةَ الْقَلُوصَ، فَأُضِيفُ الْفِعْلُ وَهُوَ الْقَتْلُ إِلَى الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّوْا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ زَيَّنُوا ذَلِكَ وَدَعَوْا إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيُرْدُوهُمْ، لِيُهْلِكُوهُمْ، وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ، لِيَخْلِطُوا عَلَيْهِمْ، دِينَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِيُدْخِلُوا عَلَيْهِمُ الشَّكَّ فِي دِينِهِمْ، وَكَانُوا عَلَى دِينِ إِسْمَاعِيلَ فرجعوا عنه بلبس الشياطين. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ، أَيْ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَعَصَمَهُمْ حتى
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المخطوط «يقسمون».
(٣) زيادة عن المخطوطتين.
(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح شواهد الكشاف» (٢/ ٧٠).
(٥) الزج: الطعن، المزجة: الرمح القصير لأنه آلة للمزج، القلوص: الناقة الشابة.

صفحة رقم 162
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية