آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ

وستر الحق- جعلنا في كل قرية، أرسلنا إليها الرسل، أكابرها المجرمين، متصفين بصفات المذكورين، مزينا لهم أعمالهم، مصرين على الباطل، مجادلين به الحق، ليفعلوا المكر فيها على أتباعهم بالتلبيس، ليتركوا متابعة الرسل.
قال ابن كثير: المراد ب (المكر) هاهنا دعاؤهم إلى الضلالة بزخرف المقال والفعال، كقوله تعالى إخبارا عن قوم نوح: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً [نوح: ٢٢]، وكقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ، بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً... [سبأ: ٣١- ٣٣] الآية.
وقال الزمخشري: خص الأكابر لأنهم هم الحاملون على الضلال، والماكرون بالناس، كقوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
[الإسراء: ١٦].
وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ أي: ما يضرون بمكرهم إلا أنفسهم، لأن وباله يحيق بهم، كما قال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت: ١٣]. وقال: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [النحل: ٢٥]. قال الزمخشري: هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقديم موعد بالنصرة عليهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٤]
وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤)
وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ أي: برهان وحجة قاطعة قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ أي: من الوحي والمعجزات المصدقة له. كقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا... [الفرقان: ٢١] الآية.
وقوله سبحانه: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً [المدثر: ٥٢].
اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ كلام مستأنف للإنكار عليهم، وأن لا يصطفي للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها، فيليق للاستشراق بأنوار علمه، والأمانة على مكنون

صفحة رقم 485

سره، مما لو انكشف لغيره انكشافه له، لفاضت له نفسه، أو ذهبت بعقله جلالته وعظمته، فهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم.
وقد روى الإمام «١» أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم، إسماعيل. واصطفى من بني إسماعيل، بني كنانة. واصطفى من بني كنانة، قريشا، واصطفى من قريش، بني هاشم. واصطفاني من بني هشام. وانفرد بإخراجه مسلم «٢» أيضا.
وروى الإمام أحمد «٣» عن المطّلب بن أبي وداعة عن العباس عن رسول الله ﷺ قال: إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين، فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا، وخيركم نفسا.
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ أي: ذلة وهوان بعد كبرهم وعظمتهم عِنْدَ اللَّهِ أي: يوم القيامة، جزاء على منازعتهم له تعالى في كبره بردّ آياته ورسالته، واعتراضهم عليه في تخصيصه بالرسالة غيرهم، وَعَذابٌ شَدِيدٌ يعني: في الآخرة.
بِما كانُوا يَمْكُرُونَ في الدنيا إضرارا بالأنبياء.
قال ابن كثير: لما كان المكر غالبا، إنما يكون خفيّا، وهو التلطف في التحليل والخديعة، قوبلوا بالعذاب الشديد من الله يوم القيامة، جزاء وفاقا. ولا يظلم ربك أحدا. وجاء
في الصحيحين «٤» عن رسول الله ﷺ أنه قال: ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان.
والحكمة في هذا، أنه لما كان الغدر خفيّا لا يطلع عليه الناس، فيوم القيامة يصير علما منشورا على صاحبه بما فعل. انتهى.

(١) أخرجه في المسند ٤/ ١٠٧.
(٢) أخرجه مسلم في: الفضائل، حديث رقم ١.
(٣)
أخرجه في المسند ص ٢١٠ ج ١ والحديث رقم ١٧٨٨ ونصه: قال العباس: بلغه ﷺ بعض ما يقول الناس. قال فصعد المنبر فقال «من أنا» ؟ قالوا: أنت رسول الله. فقال: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين، فجعلني في خير فرقة. وخلق القبائل، فجعلني في خير قبيلة. وجعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا. فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا».
(٤) أخرجه البخاري في: الجزية والموادعة، ٢٢- باب إثم الغادر للبر والفاجر، حديث رقم ١٥٠٣ و ١٥٠٤.
وأخرجه عن ابن عمر في هذا الباب، حديث رقم ١٥٠٥.

صفحة رقم 486
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية