
الجزء الثامن
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (١١٣)
شرح الكلمات:
الملائكة: أجسام نورانية يعمرون السموات عباد مكرمون لا يعصون الله تعالى ويفعلون ما يؤمرون لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة.
الموتى: جمع ميت: من فارقته الحياة أي خرجت منه روحه.
حشرنا: جمعنا.
قبلا: معاينة
يجهلون: عظمة الله وقدرته وتدبيره وحكمته.
شياطين: جمع شيطان: وهو من خبث وتمرد من الجن والإنس.
يوحي بعضهم: يعلم بطريق سريع خفي بعضهم بعضاً.
زخرف القول: الكذب المحسن والمزين.
غروراً: للتغرير بالإنسان.
يفترون: يكذبون.
ولتصغى إليه: تميل إليه.
وليقترفوا: وليرتكبوا الذنوب والمعاصي.

معنى الآيات:
ما زال السياق في أولئك العادلين بربهم المطالبين بالآيات الكونية ليؤمنوا إذا شاهدوها فأخبر تعالى في هذه الآيات أنه لو نزل إليهم الملائكة من١ السماء وأحيى لهم الموتى فكلموهم وقالوا لهم لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحشر علمهم كل شيء٢ أمامهم يعاينونه معاينة أو تأتيهم المخلوقات قبيلاً بعد قبيل وهم يشاهدونهم ويقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ما كانوا ليؤمنوا بك ويصدقوك ويؤمنوا بما جئت به إلا أن يشاء٣ الله ذلك منهم. ولكن أكثر أولئك العادلين بربهم الأصنام والأوثان يجهلون أن الهداية بيد الله تعالى وليست بأيديهم كما يزعمون وأنهم لو رأوا الآيات آمنوا.
هذا ما دلت عليه الآية (١١١) أما الآية الثانية (١١٢) فإن الله تعالى يقول وكما كان لك يا رسولنا من هؤلاء العادلين أعداء يجادلونك ويحاربونك جعلنا لكل نبي أرسلناه أعداء يجادلونه ويحاربونه ﴿شياطين٤ الإنس والجن يوحي٥ بعضهم إلى بعض زخرف القول﴾ أي القول المزين بالباطل المحسن بالكذب ﴿غرورا﴾ أي للتغرير والتضليل، ﴿ولو شاء ربك﴾ أيها الرسول عدم فعل ذلك الإيحاء والوسواس ﴿ما فعلوه﴾ إذا ﴿فذرهم﴾ أي اتركهم ﴿وما يفترون﴾ من الكفر والكذب والباطل.
هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الآية الثالثة (١١٣) وهي قوله تعالى: ﴿ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون﴾ هذه الآية بجملها الأربع معطوفة على قوله ﴿زخرف القول غرورا﴾ إذ إيحاء شياطين الجن والإنس٦ كان
٢ أي شيئاً سألوه وطلبوه.
٣ الاستثناء منفصل فهو بمعنى لكن إن شاء الله إيمانهم آمنوا والآية تحمل التسلية والعزاء له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤ شياطين الإنس والجن بدل من قوله عدوّا ويصح أن يكون نعتاً أيضاً.
٥ يوحي بمعنى يلقى إليه الباطل المزين بطريق الوسواس فيفهم عنه إذ الإيحاء الإعلام السريع الخفي وشاهده من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ما منكم من أحد إلاّ قد وكل به قرينه من الجن، قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلاّ أن الله أعانني عليه فأسلم".
٦ روي عن مالك بن دينار أنه قال: شياطين الإنس أشد من شياطين الجن، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عياناً. ويشهد لهذا ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع امرأة تنشد:
إن النساء رياحين خلقن لكم | وكلكم يشتهي شم الرياحين |
إن النساء شياطين خلقن لنا...
نعوذ بالله من شر الشياطين

للغرور أي ليغتر به المشركون، ﴿ولتصغى إليه﴾ أي تميل ﴿أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ وهم المشركون العادلون بريهم ﴿وليرضوه﴾ ويقتنعوا به لأنه مموه لهم مزين، ونتيجة لذلك التغرير والميل إليه وهو باطل والرضا به والإقناع بفائدته فهم يقترفون من أنواع الكفر وضروب الشرك والمعاصي والإجرام ما يقترفون!.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن أبداً، وبهذا تقررت ربوبيته وألوهيته للأولين والآخرين.
٢- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل داع إلى الله تعالى بإعلامه أنه ما من نبي ولا داع إلا وله أعداء من الجن والإنس يحاربونه حتى ينصره الله عليهم.
٣- التحذير من التمويه والتغرير فإن أمضى سلاح للشياطين هو التزيين والتغرير.
٤- القلوب الفارغة من الإيمان بالله ووعده وعيده في الدار الآخرة أكثر القلوب ميلاً إلى الباطل والشر والفساد.
أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)