
وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (يريد: تمنعهم (١) مني) (٢)، ومعنى هذا الكلام أنك لم تُبعث لتحفظ المشركين عن العذاب، إنما بُعثت مبلغاً فلا تهتم لشركهم، فإن ذلك بمشية الله (٣). وقال مقاتل: (﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ رقيباً إن لم يوحدوا، ومما أنت عليهم بمسيطر، نسختها آية السيف) (٤).
١٠٨ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الآية قال [قتادة] (٥) (٦) والمفسرون (٧): (كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فنهاهم عن ذلك لئلا يسبوا الله).
وقال الزجاج: (نهوا في ذلك الوقت قبل القتال أن يلعنوا الأصنام التي كانت يعبدها المشركون) (٨).
(٢) ذكره الثعلبي في "الكشف" ١٨٢ أ، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٧٦، و"الخازن" ٢/ ١٦٩ عن عطاء فقط.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ٣٠٥.
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٨٣، وهو قول ابن حزم في "ناسخه" ص ٣٨، وهبة الله بن سلامة ص ٦٨، وحكاه ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٣٢٨ عن ابن عباس، والظاهر أنها محكمة. ورجحه مكي في "الإيضاح" ص ٢٤٢، وانظر: "الناسخ والمنسوخ" لابن العربي ٢/ ٢١٢.
(٥) لفظ: (قتادة) غير واضح في (أ).
(٦) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٢/ ٢١٥ بسند جيد.
(٧) أخرجه الطبري ٧/ ٣٠٩، وابن أبي حاتم ٥/ ٣١٢ من طرق جيدة عن ابن عباس وقتادة والسدي، وهو قول مقاتل ١/ ٥٨٣، والسمرقندي ١/ ٥٠٦، وحكاه هود الهواري ١/ ٥٥١ عن الحسن والكلبي. وانظر: "أسباب النزول" للواحدي ص ٢٢٥، و"الدر المنثور" ٣/ ٧٢.
(٨) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨٠.

وقال أبو بكر (١) بن الأنباري: (هذه آية منسوخة أنزلها الله [عز وجل] (٢) والنبي بمكة، فلما قواه بأصحابه نسخ هذه الآية ونظائرها بقوله: ﴿فَاقْتُلُوا (٣) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي: فيسبوا الله ظلمًا بالجهل، يقال: عَدَا (٥) فلان عَدْوًا وعُدُوًا وعُدْوانًا وعَدَاء، أي: ظلم ظلمًا جاوز القدر (٦).
(٢) في (ش): (جل وعز).
(٣) في النسخ: (واقتلوا)، وهو تحريف.
(٤) هذا قول ابن حزم في "ناسخه" ص ٣٨، و (ابن سلامة) ص ٦٩، والظاهر عدم النسخ وأن الآية محكمة، وهو اختيار أكثرهم، قال ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٣٢٩: (لا أرى النسخ بل يكره للإنسان أن يتعرض بما يوجب ذكر معبوده بسوء أو نبيه) ا. هـ، وقال القرطبي ٧/ ٦١: (قال العلماء: الآية حكمها باق على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يُسب الإِسلام أو النبي - ﷺ - أو الله عز وجل فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية) ا. هـ وانظر: "أحكام القرآن" للكيا الهراس ٣/ ٣٢٥، وابن عطية ٥/ ٣١٣، وابن كثير ٢/ ١٨٣.
(٥) العَدَاء: بالفتح والمد: تجاوز الحد والظلم والجور، يقال: عَدَا -بفتح العين والدال-، فلان عَدْوًا: بفتح العين وسكون الدال، وعُدُوًّا بضم العين والدال وتشديد الواو المفتوحة، وعُدْوانا، بضم العين، وسكون الدال، وعَدَاء: بفتح العين والدال. انظر: "العين" ٢/ ٢١٣، و"الجمهرة" ٢/ ٦٦٦، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٢٠، و"المجمل" ٣/ ٦٥٢، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٢٤٩، و"المفردات" ص ٥٥٣، و"اللسان" ٥/ ٢٨٣٢ مادة (عدا).
(٦) هذا كلام الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٨١، والأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٣٤٧ مادة (عدا)، وانظر: "الزاهر" ١/ ٢١٦.

قال السدي: (معناه: لا تسبوا الأصنام فيسبوا من أمركم بما أنتم عليه من عيبها) (١).
وقال آخرون: (معنى ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ فيحملهم الغيظ والجهل على أن يسبوا من تعبدون، كما سببتم من تعبدون) (٢). هذا معنى ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ﴾ لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله لأنهم كانوا يقرون أن الله خالقهم وإن أشركوا به.
قال الزجاج: (وعدوا) منصوب على المصدر؛ لأن المعنى: فيعدوا عدوًا (٣)، قال: ويكون بإرادة اللام (٤) والمعنى: فيسبوا الله للظلم) (٥).
وقال ابن العربي في "أحكام القرآن" ٢/ ٧٤٣: (اتفق العلماء على أن المعنى: لا تسبوا آلهة الكفار فيسبوا إلهكم، وكذلك هو، فإن السب في غير الحُجَّة فعل الأدنياء) ا. هـ.
وقال ابن الجوزي ٣/ ١٠٢: (المعنى: فيسبوا من أمركم بعيبها، فيعود ذلك إلى الله تعالى لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى؛ لأنهم كانوا يقرون أنه خالقهم وإن أشركوا به) ا. هـ. وانظر: "بدائع التفسير" ٢/ ١٧٠.
(٢) هذا قول الطبري في "تفسيره" ٧/ ٣٠٩، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٠٣، و"معاني الأخفش" ١/ ٢٨٥، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٤١.
(٣) عدوا: بفتح العين وسكون الدال، وتخفيف الواو المفتوحة.
(٤) وعليه يكون مفعولًا من أجله، أي: لأجل العدو.
انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٧٣، و"المشكل" ١/ ٢٦٥، و"التبيان" ١/ ٣٥٣، و"الفريد" ٢/ ٢١٠، و"الدر المصون" ٥/ ١٠٠.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨١، ومثله قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٤٧ مادة (عدا).

وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ قال المفسرون (١). (يعني: كما زينا لهؤلاء المشركين عبادة الأصنام والأوثان وطاعة الشيطان بالحرمان والخِذلان ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ من الخير والشر والطاعة والمعصية)، قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد: زينت لأوليائي وأهل طاعتي محبتي وعبادتي، وزينت لأعدائي وأهل معصيتي كفر نعمتي وخذلتهم حتى أشركوا) (٢)، قال الزجاج: (وهذا هو القول، لأنه بمنزلة (٣): ﴿وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٩٣]، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨] (٤).
وهذه الآية بتفسير هؤلاء دليل على تكذيب القدرية (٥) حيث قالوا: لا يحسن من الله خلق الكفر وتزيينه (٦).
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٩٨، والقرطبي ٧/ ٦١ - ٦٢.
(٣) في النسخ: (بل طبع الله على قلوبهم)، وهو تحريف. وفي سورة النساء آية ١٥٥ ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِم﴾، وفي "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨١: (الأجود أنه بمنزلة ﴿طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [النحل: ١٠٨]، فذلك تزيين أعمالهم، قال الله ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِم﴾) ا. هـ.
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨١.
(٥) القدرية تزعم أن العبد يخلق فعله، والكفر والمعاصي ليست بتقدير الله تعالى، وقولهم باطل. انظر مذهبهم والرد عليهم في: "الإبانة" للأشعري ص ٥٦، و"الشريعة"، للآجري ص ١٢٨، و"شرح الطحاوية" لابن أبي العز ٢/ ٣٥٥.
(٦) ذكر نحوه القرطبي ٧/ ٦٢، والخازن ٢/ ١٧٠، وانظر: "الفتاوى" ١٤/ ٢٩٠، =