
يشركون!! فقد قالت اليهود: عزيز ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وقال المشركون من العرب: الملائكة بنات الله.
كيف يكون ذلك! والله مبدع السموات والأرض وما فيهن، فهو الخالق البارئ المصور كيف يكون له ولد؟ ولم تكن له صاحبة، والولد لا بد فيه من تزاوج وتناكح، وهل يعقل أن تكون له صاحبة تجانسه وتشاكله، وهو المنزه عن المثيل والشريك: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «١». وكيف يكون له ولد! وقد أقر الكل بأنه خلق السموات والأرض، أفيكون في حاجة إلى ولد؟ وله كل شيء!!؟ سبحانه وتعالى ذلكم الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء، فاعبدوه وحده، فهو الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، الخالق البارئ فاطر السموات والأرض ومبدعها وهو على كل شيء قدير.
والله سبحانه لا تدركه الأبصار، ولا تراه رؤية إحاطة وشمول حتى تعرف كنهه وتحيط به: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ «٢».
والآية الكريمة لا تنفى الرؤية التي وردت بها الأحاديث الصحيحة.
والله يدرك الأبصار، يراها ويدركها ويقف على حقيقتها وكنهها، وإلى هنا لم يعرف أحد حقيقة الضوء أو حقيقة البصر ولماذا لم تر الأذن؟ ولم تسمع العين ولماذا كان عصب العين ينقل إشارة الرؤية وعصب السمع ينقل إشارة السمع ولكن الله وحده هو الذي يدرك الأبصار ويعلمها وهو اللطيف بذاته الخبير بدقائق خلقه وخفاياهم.
حقائق تتعلق بالرسالة [سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٧]
قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)
(٢) سورة البقرة آية ٢٥٥.

المفردات:
بَصائِرُ: جمع بصيرة، وتطلق على العقيدة القلبية، وعلى المعرفة الثابتة والحجة البينة، ويقابلها البصر الذي يدرك به الأشياء الحسية. دَرَسْتَ أى: قرأت،
وفي الحديث: «كان يدارسه القرآن»
ومنه الدرس والمدرسة وهي تشير إلى التذليل بكثرة القراءة.
المعنى:
قد جاءكم كما يجيء الغائب المنتظر تلكم البصائر من الحجج والبراهين والآيات الكونية، والأدلة العقلية، التي تنير البصائر وتكشف الحجب والستائر، جاءتكم من ربكم الذي تعهدكم في الصغر والكبر والضعف والقوة فمن أبصر فلنفسه ومن أساء فعليها: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «١» وما أنا عليكم بحفيظ، ولا برقيب، كل نفس بما كسبت رهينة، وما علىّ إلا البلاغ وعلى الله الحساب.
مثل ذلك البيان الشافي نصرف الآيات في القرآن لإثبات أصول الدين، ونفصلها ليهتدى بها المستعدون للاهتداء على اختلاف عقولهم وألوانهم، وليقول الجاحدون المعاندون: إنما درست هذا وقرأته على غيرك وليس وحيا من عند الله، ولقد رموا النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه علّمه قين (حداد) كان بمكة وهو أعجمى وليس بعربي لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ «٢» وكيف يصدر هذا القرآن الكامل في كل شيء عن بيئة جاهلية؟ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «٣» ولنظهر هذا القرآن لقوم عندهم عقل وعلم.
(٢) سورة النحل آية ١٠٣.
(٣) سورة النجم آية ٤.