
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨ الى ١١]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ، أَيْ: لَوَجَبَ الْعَذَابُ، وَفُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ، وَهَذَا سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ مَتَى اقْتَرَحُوا آيَةً فَأُنْزِلَتْ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا اسْتُؤْصِلُوا بِالْعَذَابِ، ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ، أَيْ: لَا يُؤَجَّلُونَ وَلَا يُمْهَلُونَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَعُجِّلَ لَهُمُ الْعَذَابُ وَلَمْ يُؤَخَّرُوا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَقُضِيَ الْأَمْرُ أَيْ لَقَامَتِ الْقِيَامَةُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَوْ أَتَاهُمْ مَلَكٌ فَى صُورَتِهِ لَمَاتُوا.
وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً، يَعْنِي: لَوْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ مَلَكًا، لَجَعَلْناهُ رَجُلًا، يَعْنِي: فِي صُورَةِ رَجُلٍ آدَمِيٍّ، لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ النَّظَرَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ.
«٨٦٠» وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ [١] الْكَلْبِيِّ، وَجَاءَ الْمَلَكَانِ إِلَى دَاوُدَ فِي صُورَةِ رَجُلَيْنِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ، أَيْ: خَلَطْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَخْلِطُونَ وَشَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا يدرون أملك هو أو آدَمِيٌّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ شَبَّهُوا عَلَى ضُعَفَائِهِمْ فَشُبِّهَ عَلَيْهِمْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، فَلَبَّسَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا لَبَّسُوا عَلَى أنفسهم وقرأ الزهري «للبّسنا» بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ، كَمَا استهزىء بِكَ يَا مُحَمَّدُ، يُعَزِّي [٢] نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحاقَ، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: فَنَزَلَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: حَلَّ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَحَاطَ، بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، أي: جزاء استهزاءهم مِنَ الْعَذَابِ وَالنِّقْمَةِ.
قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، سِيرُوا فِي الْأَرْضِ، مُعْتَبِرِينَ، يُحْتَمَلُ هَذَا السَّيْرُ بِالْعُقُولِ وَالْفِكْرِ، وَيُحْتَمَلُ السَّيْرُ بِالْأَقْدَامِ، ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ، أي: جزاء أَمْرِهِمْ وَكَيْفَ أُورِثُهُمُ الْكُفْرَ وَالتَّكْذِيبَ الهلاك، يحذّر كُفَّارَ مَكَّةَ عَذَابَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢ الى ١٣]
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ وَإِلَّا فَ قُلْ، أَنْتَ، لِلَّهِ، أَمْرَهُ بِالْجَوَابِ عَقِيبَ السُّؤَالِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّأْثِيرِ [٣] وَآكَدَ فِي الْحُجَّةِ، كَتَبَ، أي: قضى،
وقد ورد في أحاديث أخر ليست في «الصحيحين» انظر «الإصابة» (١/ ٤٧٣) برقم ٢٣٩٠ في ترجمة «دحية الكلبي».
(١) تصحف في المطبوع «دحي».
(٢) في المطبوع و، أ «فعزّى».
(٣) في المطبوع «التأكيد».

عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، هَذَا اسْتِعْطَافٌ مِنْهُ تَعَالَى لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْهُ إِلَى الإقبال عليه وإخبار بِأَنَّهُ رَحِيمٌ بِالْعِبَادِ لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ، وَيَقْبَلُ الْإِنَابَةَ وَالتَّوْبَةَ.
«٨٦١» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ [١] الْمَنِيعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ [٢] فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي».
«٨٦٢» وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [قَالَ الله تعالى] [٣] «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي».
«٨٦٣» أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرْكَانِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادَيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أحمد الطوسي أنا [أبو] [٤] عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عطاء بن
وهو في «شرح السنة» ٤٠٧١ بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢/ ٣١٣) من طريق عبد الرزاق به.
وأخرجه البخاري ٧٤٠٤ وأحمد (٢/ ٣٩٧ و٤٦٦) والطبري ١٣٠٩٩ وابن حبان ٦١٤٣ من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أبي هريرة.
وأخرجه البخاري ٧٥٥٣ و٧٥٥٤ وأحمد (٢/ ٣٨١) وابن حبان ٦١٤٤ من طريق معتمر بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أبي هريرة به.
وأخرجه الترمذي ٣٥٤٣ وابن ماجه ٤٢٩٥ وأحمد (٢/ ٤٣٢) وابن حبان ٦١٤٥ من طريق محمد بن عجلان عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
٨٦٢- صحيح. أخرجه البخاري ٣١٩٤ و٧٤٢٢ و٧٤٥٣ ومسلم ٢٧٥١ وأحمد (٢/ ٢٤٢ و٢٥٩، ٢٦٠) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٨٤١ و٨٨١ والبغوي ٤٠٧٣ من طرق عن أبي الزناد بهذا الإسناد.
وانظر الحديث المتقدم.
٨٦٣- صحيح أبو عبد الرحمن ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى عبد الملك فقد روى له مسلم.
وهو في «شرح السنة» ٤٠٧٤ بهذا الإسناد.
وهو في «زهد ابن المبارك» ٨٩٣ عن عبد الملك بهذا الإسناد، ومن طريقه أخرجه ابن حبان ٦١٤٧.
وأخرجه مسلم ٢٧٥٢ وابن ماجه ٤٢٩٣ وأحمد (٢/ ٤٣٤) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان به.
وأخرجه البخاري ٦٠٠٠ وفي «الأدب المفرد» ١٠٠ ومسلم ٢٧٥٢ والدارمي (٢/ ٣٢١) وابن المبارك في «الزهد» ١٠٣٩ وابن حبان ٦١٤٨ والطبراني في «الأوسط» ٩٩٥ والبيهقي في «الآداب» ٣٥ من طرق عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة بنحوه.
وأخرجه البخاري ٦٤٦٩ ومسلم ٢٧٥٢ ح ١٨ والترمذي ٣٥٤١ وأحمد (٢/ ٣٣٤) من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بنحوه.
(١) وقع في الأصل «سعد» وهو تصحيف.
(٢) في المطبوع «عند الله».
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من مصادر التخريج، وفي «شرح السنة» ٤٠٧٣ «لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي».
(٤) ما بين المعقوفتين مستدرك من «شرح السنة» و «الأنساب» (٤/ ٨١) وانظر «تاريخ بغداد» (٩/ ٣٧١) ترجمة «عبد الله بن أحمد بن شبويه».