
(٦) سورة الأنعام مكيّة وآياتها خمس وستون ومائة
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)اللغة:
(جَعَلَ) : تكون بمعنى أنشأ وأحدث فتنصب مفعولا واحدا، وتكون بمعنى صيّر فتتعدى الى مفعولين. وقال ابن جنّي في الخصائص: «إن العرب قد تتسع فتوقع أحد الفعلين موقع الآخر إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر». والفرق بين الجعل والخلق دقيق يلتقطه الخاطر المرهف، وهو أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين، كإنشاء شيء من شيء، أو تصيير شيء شيئا، أو نقله من مكان الى مكان آخر. صفحة رقم 60

(يمترون) يشكّون، والامتراء الشك، وفعله: مرى في الأمر وامترى وتمارى، وما فيه مرية أي شك، ومريت الناقة وأمريتها حلبتها فأمرت، ومن المجاز قرع مروته، قال أبو ذؤيب الهذلي:
حتى كأني للحوادث مروة | بصفا المشقّر كل يوم تقرع |
كأنّ كل واحد يحلب ما عند صاحبه.
الإعراب:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) كلام مستأنف للحث على التفكير والتأمل، والعدول عن الجدل والمماراة.
والحمد مبتدأ، ولله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبره، والذي اسم موصول في محل جر صفة، وجملة خلق السموات والأرض صلة الموصول والسموات مفعول به وجملة وجعل الظلمات والنور عطف على الجملة الأولى (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي والعطف على قوله الحمد الله وما بعده على معنى أن الله خليق بالحمد على ما خلق لأنه خلق ما خلق نعمة للبشر ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته. والذين مبتدأ وكفروا فعل وفاعل والجملة صلة الموصول وبربهم متعلقان بكفروا فيكون يعدلون بمعنى يميلون عنه من العدول ويجوز أن يتعلقا بيعدلون وقدم الجار والمجرور للفاصلة ويكون يعدلون من العدل وهو التسوية بين الشيئين، أي: ثم الذين كفروا يسوّون بربهم غيره من المخلوقين فيكون المفعول محذوفا (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ صفحة رقم 61

ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ)
كلام مستأنف مسوق لإقامة الحجة على امترائهم وهو مبتدأ والذي خبر وجملة خلقكم لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول ومن طين جار ومجرور متعلقان بخلقكم، ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وقضى أجلا فعل ماض ومفعول به، والجملة عطف على جملة خلقكم، وأجل الواو استئنافية، وأجل مبتدأ، ساغ الابتداء به مع أنه نكرة لأنه وصف بقوله: «مسمى»، وعنده ظرف مكان متعلق بمحذوف خبره، ثم حرف عطف واستبعاد لتراخي الرتبتين، وأنتم مبتدأ وجملة تمترون خبر.
البلاغة:
في الآيتين فنون متعددة من البلاغة نوجزها فيما يلي:
١- ثبوت الديمومة التي يستحقها سبحانه، وهي ديمومة الحمد له بسبب كونه منعما، والكلام خبري أريد به الأمر.
٢- الطباق بين السموات والأرض، والظلمات والنور، وإذا تعدد الطباق سمّي مقابلة.
٣- المخالفة في الإفراد والجمع، فقد أفرد النور وجمع الظلمات، لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة، ولها أسباب كثيرة، ولأن النور من جنس متحد، وهو النار.
٤- الإظهار في موضع الإضمار: فقد أظهر الضمير فقال:
«ربهم» مع أن ذكر الله تقدم، تفخيما لجلاله. وهي سنة من سنن العرب في كلامهم، يعيدون الاسم ظاهرا وإن تقدّم، دون تعبير عنه