آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

وَهَذَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير﴾ قَالَ الْحسن وَطَاوُس وَالزهْرِيّ: الْعود هُوَ الْوَطْء، وَهَذَا قَول مَالك. وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ أَن ينْدَم على مَا قَالَ وَيرجع إِلَى الألفة. وَمذهب الشَّافِعِي فِي الْعود أَنه يمْسِكهَا على النِّكَاح عقيب الظِّهَار وَلَا يطلقهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا يكون هَذَا عودا؛ لِأَن الظِّهَار قصد التَّحْرِيم، فَإِذا مضى وَقت عقيب الظِّهَار، وَلم يحرمها على نَفسه بِالطَّلَاق، فَهُوَ عَائِد عَمَّا قَالَ. وَيجوز أَن يكون على هَذَا قَول ابْن عَبَّاس الَّذِي ذكرنَا.
وَأما مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ قَالَ: الْعود هُوَ أَن يعزم على إِِمْسَاكهَا، فَإِذا فعل ذَلِك فقد تحقق الْعود. وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين قَول الشَّافِعِي أَنه إِذا مضى عقيب الظِّهَار وَقت يُمكنهُ أَن يطلقهَا فِيهِ وَلم يُطلق فَهُوَ عَائِد، وَإِن لم يعزم على إِِمْسَاكهَا.
وَعند أبي حنيفَة مَا لم يعزم على إِِمْسَاكهَا لَا يكون عَائِدًا.
وَفِي الْآيَة قَول رَابِع، وَهُوَ قَول أبي الْعَالِيَة وَبُكَيْر بن عبد الله الْأَشَج: أَن الْعود هُوَ أَن يُكَرر لفظ الظِّهَار وأولا الْعود لما قَالُوا بِهَذَا. وَقَالَ القتيبي: ثَبت الظِّهَار بِنَفس القَوْل وَتجب الْكَفَّارَة. وَمعنى الْعود فِي هَذَا هُوَ الْعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة من فعل

صفحة رقم 383

﴿توعظون بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (٣) فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسا فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا ذَلِك لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وَتلك حُدُود﴾ الظِّهَار، وَكَأَنَّهُ قَالَ: " ويعودون لما قَالُوا " يَعْنِي: إِلَى مَا قَالَه أهل الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ الْأَخْفَش سعيد بن مسْعدَة: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وتقديرها: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون فَتَحْرِير رَقَبَة بِمَا قَالُوا.
وَقَوله: ﴿من قبل أَن يتماسا﴾ يَعْنِي: الْوَطْء، وَأما اللَّمْس فِيمَا دون الْفرج اخْتلفُوا فِيهِ، فحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: يجوز.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا يجوز، وَالأَصَح أَنه لَا يجوز حَتَّى يكفر.
وَقَوله: ﴿ذَلِكُم توعظون بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فَتَحْرِير رَقَبَة﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: مُؤمنَة. وَعَن الشّعبِيّ قَالَ: رَقَبَة قد صلت وَعرفت الْإِيمَان. وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي دَعَا أَوْس بن الصَّامِت وَقَالَ: " اعْتِقْ رَقَبَة. فَقَالَ: لَا أَجدهَا. فَقَالَ: صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، قَالَ: لَا أَسْتَطِيع وَكَانَ شَيخا قد أسن وَكبر فَقَالَ: أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا، فَقَالَ: " نعم ". وَرُوِيَ أَنه قَالَ: " لَا أجد إِلَّا أَن تعينني، فأعانه رَسُول الله بفرق من تمر، وأعانته الْمَرْأَة بفرق من تمر ". وَفِي رِوَايَة: " أَنه لما أعطَاهُ رَسُول الله التَّمْر قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَدِينَة أحد أحْوج إِلَيْهِ مني، فَقَالَ: كُله أَنْت وَعِيَالك ".

صفحة رقم 384
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية