
اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٩)
شرح الكلمات:
ألم يأن للذين آمنوا: أي ألم يحن الوقت للذين أكثروا من المزاح.
أن تخشع قلوبهم لذكر الله: أي تلين وتسكن وتخضع وتطمئن لذكر الله ووعده ووعيده.
وما نزل من الحق: أي القرآن وما يحويه من وعد ووعيد.
ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب: أي ولا يكونوا كاليهود والنصارى في الإعراض والغفلة.
من قبل
فطال عليهم الأمد: أي الزمن بينهم وبين أنبيائهم.
فقست قلوبهم: أي لعدم وجود من يذكرهم ويرشدهم فقست لذلك قلوبهم فلم تلن لذكر الله.
وكثير منهم فاسقون: أي نتيجة لقساوة القلوب المترتبة على ترك التذكير والإرشاد ففسق أكثرهم فخرج عن دين الله ورفض تعاليمه.
اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها: أي بالغيث ينزل بها وكذلك يحيي القلوب بالذكر والتذكير فتلين وتخشع لذكر الله ووعده ووعيده.
قد بينا لكم الآيات لعلكم: أي بينا لكم الآيات الدالة على قدرتنا وعلمنا ولطفنا ورحمتنا رجاء أن تعقلوا
تعقلون فتحفظوا أنفسكم مما يرديها ويوبقها.
إن المصدقين والمصدقات: أي المتصدقين بفضول أموالهم والمتصدقات كذلك.
واقرضوا الله قرضا حسنا: أي وكانت صدقاتهم كالقرض الحسن الذي لا منة معه والنفس طيبة به وراجية من ربها جزاءه.
يضاعف لهم: أي القرض الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة إلى ألف ألف.
والذين آمنوا بالله ورسوله: أي صدقوا بالله رباً وإلهاً وبرسله هداة ودعاة صادقين.

أولئك هم الصديقون: أي الذين كتبوا عند الله صديقين وهي مرتبة شرف عالية.
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم: أي وشهداء المعارك في سبيل الله عند ربهم أي في الجنة لهم أجرهم العظيم ونورهم التام يوم القيامة.
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا: أي كفروا بالله وتوحيده وكذبوا بالقرآن وبما حواه من الشرائع والأحكام.
أولئك أصحاب الجحيم: أي أولئك البعداء هم أهل النار الذين لا يفارقونها أبداً.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ١ أي بالله رباً وإلهاً وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً وبوعد الله ووعيده صدقا وحقا ألم يحن٢ الوقت لهم أن تخشع قلوبهم فتلين وتطمئن إلى ذكر الله وتخشع كذلك ﴿وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ في الكتاب الكريم فيعرفون المعروف ويأمرون به ويعرفون المنكر وينهون عته إنها لموعظة إلهية عظيمة وزادها عظمة أن تنزل في أصحاب رسول الله تستبطئ قلوبهم. فكيف بمن بعدهم.
وقوله: ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل البعثة المحمدية وهم اليهود والنصارى فطال عليهم الأمد وهو الزمان الطويل بينهم وبين أنبيائهم فلم يذكروا ولم يرشدوا فقست قلوبهم من أجل ذلك وأصبح أكثرهم فاسقين٣ عن دين الله خارجين عن شرائعه لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً.
وقوله تعالى ﴿اعْلَمُوا﴾ أي أيها المؤمنون المصابون ببعض الغفلة فكثر مزاجهم وضحكهم ﴿أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يحييها بالغيث فتنبت وتزدهر فكذلك القلوب٤ تموت بترك التذكير والتوجيه والإرشاد وتحيا على التذكير والإرشاد.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ﴾ أي وضحناها لكم في هذا الكتاب الكريم لعلكم
٢ هنا فعلان: أنى يأني مشتق من الإنى وهو اسم جامد بمعنى الوقت وآن يئين مشتق من الأين الذي هو الحين قال الشاعر:
ألما يئن لي أن تحلى عمايتي
وأقصر عن ليلي بلى قد أنى ليا
فجمع بين لغتين أي: بين أنى يأني وبين آن يئين.
٣ عن مالك قال: بلغني آن عيسى عليه السلام قال لقومه: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي يبعد من الله ولكنكم لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس أنكم أرباب وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما الناس رجلان: معافىً ومبتلىً، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية.
٤ وكذلك القلوب تقسوا فتليينها بعد قساوتها يكون بذكر الله والدار الآخرة والتذكير بهما.

تعقلون أي لنعدكم بذلك لتعقلوا عنا ما نخاطبكم به وننصح لكم فيه فاذكروا هذا ولا تنسوه. وراجعوا قلوبكم وتعهدوها بذكر الله والدار الآخرة. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ﴾ أي المتصدقين بفضول أموالهم في سبيل الله والمصدقات أي والمتصدقات كذلك وأقرضوا الله قرضاً حسناً بما أنفقوه في الجهاد طيبة به نفوسهم لا منة فيه ولا رياء ولا سمعة هؤلاء يضاعف لهم أي ثواب صدقاتهم وإقراضهم ربهم إلى عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف ولهم أجر كريم وهو الجنة والذين آمنوا بالله ورسله فصدقوا بالله رباً وإلهاً وبرسل الله المصطفين هداة إلى الله ودعاة إليه هؤلاء هم الصديقون١ ففازوا بمرتبة الصديقية والشهداء الذين٢ استشهدوا في معارك الجهاد هم الآن عند ربهم لهم أجرهم ونورهم أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة. هؤلاء الأصناف الثلاثة مثلهم مثل السابقين وأصحاب اليمين. والذين كفروا أي بالله ورسله وكذبوا بآياتنا أي بآيات ربهم الحاوية لشرائعه وعبادته فلم يعبدوه بها هؤلاء الأدنون هم أصحاب الجحيم الذين يلازمونها وتلازمهم أبداً نعوذ بالله من حالهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التحذير من الغفلة ونسيان ذكر الله وما عنده من نعيم وما لديه من نكال وعذاب.
٢- وجوب التذكير للمؤمنين والوعظ والإرشاد والتعليم خشية أن تقسوا قلوبهم فيفسقوا كما فسق أهل الكتاب ويكفروا كما كفروا.
٣- تقرير حقيقة وهي أن الأرض تحيا بالغيث والقلوب تحيا بالعلم والمواعظ والتذكير بالله.
٤- بيان أصناف المؤمنين ورتبهم وهم المتصدقون والمقرضون في سبيل الله أموالهم والمؤمنون بالله ورسله حق الإيمان والصديقون وشهداء الجهاد في سبيل الله جعلنا الله منهم.
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ
٢ اختلف في هل (الشهداء) موصول بما قبله أو مقطوع فإن كان موصولاً فالصديقون والشهداء: هم المؤمنون بالله ورسله، وللجميع أجرهم ونورهم ويكون المدح والثناء وعظم الجزاء للجميع وهي بشرى لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان مقطوعاً فقد فاز الشهداء بمزية لم تكن لغيرهم، وهذا ما ذهبت إليه قي التفسير، وهو ما اختاره ابن جرير.