آيات من القرآن الكريم

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

وفي رواية أخرى لأحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت: «ليس منا من لم يجلّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه».
٩- وعد الله تعالى كلّا من المتقدمين المتناهين السابقين، والمتأخرين اللاحقين الجنة، مع تفاوت الدرجات.
١٠- ندب القرآن مرة أخرى في هذه الآيات إلى الإنفاق في سبيل الله، وأبان أن ثواب الصدقة التي يحتسب فيها المتصدق من قلبه بلا منّ ولا أذى مضاعف ما بين السبع إلى سبع مائة، إلى ما شاء الله من الأضعاف، بحسب الأحوال والأشخاص، ويكون للمنفق جزاء جميل، ورزق باهر، وهو الجنة يوم القيامة.
١١- إن هذا الأجر الكريم والجزاء الجميل يكون للمؤمنين والمؤمنات الذين تصدقوا في سبيل الله، ويكون إيمانهم وعملهم الصالح سببا للنجاة واجتياز الصراط، وهو الضياء الذي يمرون فيه، ويكون أمامهم، وتكون كتب أعمالهم بأيمانهم، وتبشرهم الملائكة بدخول الجنة خالدين فيها أبدا، ولا تنالهم أهوال القيامة، ويدخلون الجنة، وذلك هو الفوز الأكبر.
حال المنافقين يوم القيامة
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٣ الى ١٥]
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)

صفحة رقم 307

الإعراب:
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ يَوْمَ: ظرف، وعامله ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أو بدل من يَوْمَ الأول.
ارْجِعُوا وَراءَكُمْ وراء هنا: اسم ل ارْجِعُوا وليس بظرف ل ارْجِعُوا قبله، فلا يكون ظرفا للرجوع لقلة الفائدة فيه، لأن لفظ الرجوع يغني عنه، ويقوم مقامه.
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ الباء: زائدة، وسور: في موضع رفع، لأنه نائب فاعل.
مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ مَوْلاكُمْ: إما مصدر مضاف إلى المفعول، ومعناه: تليكم وتمسكم، أو معناه: أولى بكم، وأنكر بعضهم هذا الوجه، وقال: إنه لا يعرف المولى بمعنى الأولى.
البلاغة:
مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ أسلوب تهكمي، أي لا ولي لكم ولا ناصر إلا نار جهنم.
باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ بينهما ما يسمى بالمقابلة.
بِسُورٍ لَهُ بابٌ... وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ سجع مرصع غير متكلف.
المفردات اللغوية:
انْظُرُونا انتظرونا أو أبصرونا، لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف، وقرئ:
«أنظرونا»، أي أمهلونا أو انتظرونا. نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ نستضيء بنوركم، من الاقتباس:
طلب القبس، أي الجذوة من النار، والمراد هنا نأخذ القبس والإضاءة. قِيلَ لهم، استهزاء بهم. ارْجِعُوا وَراءَكُمْ إلى الدنيا. فَالْتَمِسُوا نُوراً أي إلى حيث شئتم، فاطلبوا نورا آخر، فإنه لا سبيل لكم إلى هذا، وهذا تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو من الملائكة. فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ ضرب بحائط أو حاجز بين المؤمنين والمنافقين، قيل: هو سور الأعراف. لَهُ بابٌ يدخل فيه المؤمنون. باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ باطن السور أو الباب من جهة المؤمنين لأنه يلي الجنة. وَظاهِرُهُ من جهة المنافقين، لأنه يلي النار. مِنْ قِبَلِهِ من جهته.

صفحة رقم 308

أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ أي ألسنا على دينكم وعلى الطاعة؟ أي في الظاهر. بَلى أي كنتم معنا. فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بالنفاق وأهلكتموها بالمعاصي. وَتَرَبَّصْتُمْ بالمؤمنين الدوائر.
وَارْتَبْتُمْ شككتم في دين الإسلام وفي أمر البعث. الْأَمانِيُّ الآمال والأطماع كامتداد العمر وانتكاس الإسلام. حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ الموت. الْغَرُورُ الشيطان. فِدْيَةٌ فداء يفتدي به، وهو ما يبذل من المال لحفظ النفس من الهلاك. مَأْواكُمُ النَّارُ منزلكم الذي تأوون إليه.
مَوْلاكُمْ التي تليكم أو أولى بكم. وَبِئْسَ الْمَصِيرُ النار.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى حال المؤمنين المنفقين يوم القيامة، وأن نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ليرشدهم إلى الجنة، فهو أمارة النجاة، بيّن حال المنافقين في ذلك اليوم، وأنهم يلتمسون عون المؤمنين لهم، فيجابون بالخيبة واليأس، وألا أمل لهم في النجاة، وأن النار هي مأواهم وأولى بهم، وذلك يدل على أنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله تعالى ورسوله ﷺ إيمانا حقا، وعمل بما أمر الله به، وترك ما عنه زجر.
التفسير والبيان:
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أي في ذلك اليوم يوم القيامة يقول المنافقون والمنافقات للمؤمنين الذين يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم: أيها المؤمنون الناجون انتظرونا لعلنا نستضيء بنوركم، ونخرج من هذا الظلام الحالك، والعذاب الأليم المنتظر.
قال جمع من العلماء: الناس كلهم يوم القيامة في الظلمات، ثم إنه تعالى يعطي المؤمنين هذه الأنوار، والمنافقون يطلبونها منهم قائلين: انْظُرُونا لأنهم إذا نظروا إليهم، والنور قدامهم، استضاؤوا بتلألؤ تلك الأنوار.
فيجابون بما يخيب آمالهم، كما قال تعالى:

صفحة رقم 309

قِيلَ: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ، فَالْتَمِسُوا نُوراً أي تقول لهم الملائكة أو المؤمنون: ارجعوا إلى الدنيا، فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان والأعمال الصالحة. وفي هذا تهكم بهم واستهزاء بطلبهم، كما كانوا يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا، حين كانوا يقولون: آمنا، وما هم بمؤمنين.
ثم يحسم الله الموقف وهذه المحاورة بقوله:
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ، لَهُ بابٌ، باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ أي فضرب بين المؤمنين وبين المنافقين حاجز، باطن ذلك السور، وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة، فيه الرحمة، وهي نعم الجنة، والجانب الذي يلي أهل النار، من جهته عذاب جهنم.
ثم يذكر الله تعالى حال المنافقين واستغاثاتهم، فيقول:
يُنادُونَهُمْ: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ قالُوا: بَلى، وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ، وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ، حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ، وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين لهم: ألم نكن معكم في الدار الدنيا، نوافقكم في أعمالكم، نشهد معكم الجمعات، ونصلّي معكم الجماعات في المساجد، ونقف معكم بعرفات، ونحضر معكم معارك الجهاد، ونؤدي معكم سائر الواجبات، ونعمل بأعمال الإسلام كلها؟
فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين: بلى قد كنتم معنا في الظاهر، ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وإبطان الكفر، وأهلكتموها باللذات والمعاصي والشهوات، وأخرتم التوبة، وتربصتم الدوائر وحوادث الدهر بالمؤمنين، وبالحق وأهله، وشككتم في أمر الدين والبعث بعد الموت، ولم تصدّقوا ما نزل به القرآن، ولا آمنتم بالمعجزات الظاهرة.

صفحة رقم 310

وغرتكم الأماني الباطلة حيث قلتم: سيغفر لنا، وغرتكم الدنيا وطول الأمل، حتى جاءكم الموت، وغرّكم أو خدعكم الشيطان، حتى قال لكم: إن الله غفور رحيم لا يعذبكم.
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، مَأْواكُمُ النَّارُ، هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي ففي هذا اليوم لا تقبل منكم فدية تفدون بها أنفسكم من النار أو العذاب، أيها المنافقون، كما قال تعالى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ [البقرة ٢/ ١٢٣] ولا من الذين كفروا بالله ظاهرا وباطنا، منزلكم الذي تأوون إليه النار، هي أولى بكم من كل منزل، وبئس المصير الذي تصيرون إليه، وهو النار.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- يستنجد المنافقون (الذين أظهروا الإسلام في الدنيا وأبطنوا الكفر) بالمؤمنين الذين نجوا من العذاب، طالبين منهم انتظارهم أو إمهالهم وتأخيرهم ليأخذوهم معهم، والاستضاءة بنورهم. قال أبو أمامة: يعطى المؤمن النور، ويترك الكافر والمنافق بلا نور.
٢- تقول الملائكة أو المؤمنون لهم: ارجعوا إلى الموضع الذي أخذنا منه النور، فاطلبوا هنالك لأنفسكم نورا، فإنكم لا تقتبسون من نورنا.
٣- لما رجعوا وانعزلوا في طلب النور ضرب حاجز بين الجنة والنار، باطنه فيه الرحمة، وهو ما يلي المؤمنين، وظاهره فيه العذاب وهو ما يلي المنافقين.
٤- ينادي المنافقون المؤمنين قائلين لهم: ألم نكن معكم في الدنيا، نصلي كما تصلون، ونجاهد كما تجاهدون، ونفعل مثلما تفعلون؟

صفحة رقم 311
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية