آيات من القرآن الكريم

وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
ﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪ ﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙ

المقربين الدنيا حتى يُؤْتَى بغصنٍ من ريحان الجنة فَيَشُمُّهُ، ثم يُقْبَضُ روحه فيه، ونحوه عن الحسن «١»، انتهى.
فإنْ أردت يا أخي اللحوق بالمقربين والكون في زمرة السابقين، فاطرح عنك دنياك وأقبلْ/ على ذكر مولاك، واجعل الآن الموت نصب عينيك، قال الغزاليُّ: وإنَّما علامةُ التوفيق أَنْ يكون الموت نصبَ عينيك، ولا تغفل عنه ساعة، فليكنِ الموتُ على بالك يا مسكين فإنَّ السير حاثٌّ بك، وأنت غافل عن نفسك، ولعلك قد قاربت المنزلَ، وقطعت المسافة فلا يكن اهتمامُك إلاَّ بمبادرة العمل، اغتناماً لكل نَفَسٍ أمهلتَ فيه، انتهى من «الإحياء»، قال ابن المبارك في «رقائقه» : أخبرنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: ما مِنْ مَيِّتٍ يموت، إلاَّ عرض عليه أهل مجلسه: إنْ كان من أهل الذِّكْرِ فمن أهل الذكر، وإِنْ كان من أهل اللهو فمن أهل اللهو، انتهى «٢».
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٩١ الى ٩٦]
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)
وقوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ: عبارة تقتضي جملةَ مدحٍ وصفةَ تخلُّصٍ، وحصولَ عالٍ من المراتب، والمعنى: ليس في أمرهم إلاَّ السلامُ والنجاةُ من العذاب وهذا كما تقول في مدح رجل: أَمَّا فلان فناهيك به، فهذا يقتضي جملةً غيرَ مفصلة من مدحه، وقدِ اضطربت عباراتُ المُتَأَوِّلِينَ في قوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ فقال قوم: المعنى: فيقال له سلام لك إنَّكَ من أصحاب اليمين، وقال الطبريُّ «٣» : فَسَلامٌ لَكَ: أنت من أصحاب اليمين، وقيل: المعنى: فسلام لك يا محمد، أي: لا ترى فيهم إلاَّ السلامة من العذاب.
ت: ومن حصلت له السلامةُ من العذاب فقد فاز دليله فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [آل عمران: ١٨٥] قال ع «٤» : فهذه الكاف في لَكَ إمَّا أن تكون للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو الأظهر، ثم لكل مُعْتَبِرٍ فيها من أُمَّتِهِ، وإمَّا أَنْ تكونَ لمن يخاطب من

(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٦٦) برقم (٣٣٥٨٢) عن أبي العالية، وعن الحسن برقم (٣٣٥٨١)، وذكره البغوي (٤/ ٢٩١)، وابن عطية (٥/ ٢٥٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٣٠٠) عن أبي العالية، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٤٠)، وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية.
(٢) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٣٢٩)، برقم: (٩٣٩).
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (١١/ ٦٦٧).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٤). [.....]

صفحة رقم 374

أصحاب اليمين، وغيرُ هذا- مِمَّا قيل- تَكَلُّفٌ، ونقل الثعلبيُّ/ عن الزَّجَّاج: فَسَلامٌ لَكَ أي: إنَّك ترى فيهم ما تحب من السلامة، وقد علمتَ ما أَعَدَّ اللَّه لهم من الجزاء بقوله:
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ الآيات...
والمكذبون الضالُّون: هم الكفار، أصحابُ الشمال والمشأَمة، والنُّزُلُ: أول شيء يقدم للضيف، والتصلية: أنْ يباشر بهم النار، والجحيم معظم النار وحيث تراكمها.
إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ المعنى: إنَّ هذا الخبرَ هو نفس اليقين وحقيقتُه.
وقوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ عبارة تقتضي الأمر بالإِعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها، وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة اللَّه تعالى، والدعاء إليه.
ت: وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ [الْعَظِيمِ] وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الْجَنَّةِ» «١». رواه الترمذي، والنسائِيُّ، والحاكمُ، وابنُ حِبَّانَ في «صحيحيهما»، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وعند النسائِيِّ:
«شَجَرَةَ» بدل «نَخْلَةَ»، وعنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ التَسْبِيحَ، وَالتَّهْلِيلَ، وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَوْ لاَ يَزَالَ لَهُ مَنْ يذكّر به» «٢»، ورواه

(١) أخرجه الترمذي (٥/ ٥١١)، كتاب «الدعوات» باب: (٦٠) (٣٤٦٤)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ٢٠٧)، كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ثواب من قال: سبحان الله العظيم (١٠٦٦٣/ ١)، والحاكم (١/ ٥٠١- ٥٠٢)، وابن حبان في «صحيحه» (٣/ ١٠٩)، كتاب «الرقاق» باب: الأذكار، ذكر تفضل الله جلّ وعلا بالأمر بغرس النخيل في الجنان لمن سبحه معظما له (٨٢٦)، ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به حجاج الصواف (٨٢٧).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر. اهـ.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي، وقال: على شرط البخاري فقط اهـ.
وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أخرجه البزار (٣٠٧٩) - كشف.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٩٧)، رواه البزار وإسناده جيد.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٢٥٢)، كتاب «الأدب» باب: فضل التسبيح (٣٨٠٩)، والحاكم (١/ ٥٠٠).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي وقال: موسى بن سالم: قال أبو حاتم: منكر الحديث.
قال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وأخو عوف اسمه عبيد الله بن عتبة.

صفحة رقم 375

أيضاً ابن المبارك في «رقائقه» عن كعب، وفيه أيضاً عن كعب أَنَّهُ قال: «إنَّ لِلْكَلاَمِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ» انتهى، وعن أبي هريرةَ «أَنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْساً فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟ قُلْتُ: غِرَاساً، قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هذا؟ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ/ شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ» روى هذين الحديثين ابن ماجه واللفظ له، والحاكم في «المستدرك»، وقال في الأول: صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ، انتهى من «السلاح»، ورَوَى عُقْبَةُ بن عامر قال: «لَمَّا نزلتْ: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اجْعَلُوهَا في رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ: اجْعَلُوهَا في سُجُودِكُمْ» «١»، فيحتمل أنْ يكونَ المعنى: سبح اللَّه بذكر أسمائه العلا، والاسم هنا بمعنى: الجنس، أي:
بأسماء ربك، والعظيم: صفة للرب سبحانه، وقد يحتمل أَنْ يكون الاسم هنا واحداً مقصوداً، ويكون «العظيم» صفة له، فكأَنَّه أمره أَنْ يسبِّحَهُ باسمه الأعظم، وإنْ كان لم يَنُصَّ عليه، ويؤيِّدُ هذا ويشير إليه اتصالُ سورة الحديد وأوَّلُها فيها التسبيح، وجملة من أسماء اللَّه تعالى، وقد قال ابن عباس «٢» : اسم اللَّه الأعظم موجود في سَتِّ آيات من أَوَّلِ سورة الحديد، فتأمَّل هذا، فإنَّهُ من دقيق النظر، وللَّه تعالى في كتابه العزيز غوامضُ لا تكاد الأذهان تدركها.

(١) أخرجه أبو داود (١/ ٢٩٢)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (٨٦٩)، وابن ماجه (١/ ٢٨٧)، كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب: التسبيح في الركوع والسجود (٨٨٧)، وأحمد (٤/ ١٥٥)، والدارمي (١/ ٢٩٩)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقال في الركوع، وابن خزيمة (١/ ٣٠٣)، جماع أبواب الأذان والإقامة باب: الأمر بتعظيم الرب جلّ وعلا في الركوع (٦٠٠)، والبيهقي (٢/ ٨٦)، كتاب «الصلاة» باب: القول في الركوع، والحاكم (١/ ٢٢٥)، (٢/ ٤٧٧)، وابن حبان (٥/ ٢٢٥)، كتاب «الصلاة» باب: صفة الصلاة (١٨٩٩).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه على ذلك الذهبي.
في «نصب الراية» (١/ ٣٧٦) قال الزيلعي: قال يعني الحاكم: وقد اتفقا على الاحتجاج بروايته غير إياس بن عامر، وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٥٥).

صفحة رقم 376
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية