آيات من القرآن الكريم

أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ
ﭣﭤﭥﭦ

وقال ابن عمر. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمس القرآن إلّا وأنت طاهر»
«١» تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) صفة ثالثة ل «قرآن» أي منزل من الله تعالى، وفي ذلك رد على قول من قال: إن القرآن شعر، أو سحر، أو كهانة، وفي هذا رد على الذين يقولون: إن القرآن في كتاب ولا يمسه إلا المطهرون- وهم الملائكة- ورد على الروافض الذي يقولون: إن جبريل أنزل على علي فنزل على محمد. فقال تعالى: هو من الله ليس باختيار الملك. وقرئ «تنزيلا» بالنصب حال من قرآن،
أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) أي أفبهذا القرآن أنتم يا أهل مكة متهاونون به. ويقال:
أفبهذا الكلام الذي تتحدثون به أنتم تلينونه لأصحابكم من شأن محمد والبعث، والحساب، والجنة، والنار تعلمونهم خلافه، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) أي تجعلون معاشكم تكذيب محمد، لأنكم تخافون إن صدقتموه ومنعتم ضعفاءكم عن الكفر أن يفوت عليكم من كسبكم ما تربحونه بسببهم فتجعلون رزقكم أنكم تكذبون الرسل. وقرئ «وتجعلون شكركم أنكم تكذبون»، أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به، فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) أي فلم لا تكذبون الرسل إذا بلغت الروح الحلقوم، والحال أنكم وقت النزع تشاهدون الأمور وتعلمونها. وهذا إشارة إلى أن كل أحد يؤمن عند الموت لكن لم يقبل إيمان من لم يؤمن قبله، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) أي ونحن أقرب إلى الميت من أهله الحاضرين عنده بعلمنا وقدرتنا، ولكن لا تدركون ذلك لجهلكم بشئوننا، فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)، أي فلم لا تردون الروح إلى الجسد عند بلوغها الحلقوم إن كنتم غير مجزيين وغير محاسبين إن كنتم صادقين في اعتقادكم أي إنكم إذا كنتم لستم تحت قدرة أحد فلم لا ترجعون أنفسكم إلى الدنيا مع أن ذلك مشتهى أنفسكم ومنى قلوبكم كما كنتم في الدنيا التي ليست دار جزاء، فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ أي فأما إن كان المجزى من المقربين السابقين فله راحة. وقرأ بعضهم بضم الراء، أي فله حياة دائمة، أو رحمة، لأنها كالحياة للمرحوم وَرَيْحانٌ، أي رزق عظيم أو زهرة فقد قيل: إن أرواح أهل الجنة لا تخرج من الدنيا إلّا ويؤتى إليهم بريحان من الجنة يشمونه، وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) أي بستان ذات تنعم ليس فيها غيره،
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) أي إن مكانة النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنسبة إلى المقربين الذين هم في عليين، كأصحاب الجنة بالنسبة إلى أهل عليين فكأن الله تعالى

(١) رواه الحاكم في المستدرك (٣: ٤٨٥)، والطبراني في المعجم الكبير (٣: ٢٣٠)، والدارقطني في السنن (١: ١٢٣)، والهيثمي في مجمع الزوائد (١: ٢٧٦)، والزيلعي في نصب الراية (١: ١٩٨)، والمتقي الهندي في كنز العمال (٢٨٢٩)، والألباني في إرواء الغليل (١: ١٥٩).

صفحة رقم 487

قال: هؤلاء الذين هم أهل الجنة وإن كانوا دون الأولين، لكن لا تنقطع بينك يا أشرف الخلق وبينهم المكالمة والتسليم، بل هم يرونك ويصلون إليك وصول جليس الملك إلى الملك، والغائب إلى أهله وولده، وأما المقربون فهم يلازمونك ولا يفارقونك، وإن كنت أعلى مرتبة منهم وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ
حَمِيمٍ
(٩٣)، أي وأما إن كان المجزى من المنكرين للبعث الضالين عن سبيل الله، فله ضيافة من ماء حار يشربه بعد أكل الزقوم وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) أي وإدخال في النار واحتراق بها، إِنَّ هذا أي ما ذكر في هذه السورة لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) أي نهاية اليقين، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦) لم بين الله تعالى الحق وامتنع الكفار قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: هذا هو حق فإن امتنعوا، فسبح ربك في نفسك وما عليك من قومك سواء صدقوك أو كذبوك.

صفحة رقم 488
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية