
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١ الى ١٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)
تفسير المفردات
وقعت: حدثت، والواقعة القيامة، لوقعتها: أي لوقوعها، كاذبة: أي كذب، ورجت: زلزلت وحركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبال، وبست:
أي فتتت وصارت كالسويق الملتوت، من قولهم بس فلان السويق: أي لتّه، وهباء:
أي غبارا، منبثا: أي متفرقا، أزواجا: أي أصنافا. قال الراغب: الزوج يكون لكل من القرينين الذكر والأنثى فى الحيوانات المتزاوجة، ولكل قرينين منها ومن غيرها كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا اه والميمنة ناحية اليمين، والمشأمة ناحية الشمال والعرب يتيمنون بالميامن ويتشاءمون بالشمائل، والمراد أصحاب المرتبة السنية الرفيعة القدر، والسابقون: هم الذين سبقوا إلى الخيرات فى الدنيا، والمقربون:
هم أرباب الحظوة والكرامة عند ربهم.
المعنى الجملي
حين تقع الواقعة ويجىء يوم القيامة لا تكذب نفس على الله فتنكره، إذ تحقق بالمعاينة وشهده كل أحد، أما فى الدنيا فما أكثر النفوس المكذبة به، المنكرة له، صفحة رقم 131

لأنهم لم يذوقوا العذاب كما عاينه المعذبون فى الآخرة.
ثم وصف هذه الواقعة بأنها تخفض أقواما وترفع آخرين، وأن الأرض حينئذ تزلزل فيندك ما عليها من جبال وأبنية، وأن الجبال تتفتت وتصير كالغبار المنتشر فى الجو، وأن الناس إذ ذاك ينقسمون أفواجا ثلاثة: أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون.
الإيضاح
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي إذا قامت القيامة لا يكون لوقعتها ارتداد ولا رجعة كالحملة الصادقة من ذى سطوة قاهر قاله الحسن وقتادة وقد يكون المعنى- ليس فى وقت وقوعها كذب، لأنه حق لا شبهة فيه.
ثم هوّل شأنها وعظم أمرها فقال:
(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أي هى خافضة لأقوام ورافعة لآخرين قاله ابن عباس، إذ الوقائع العظيمة شأنها الخفض والرفع كما يشاهد فى تبدل الدول من ذل الأعزة وعزّ الأذلة.
وفى هذا إيماء إلى ما يكون يومئذ من حط الأشقياء إلى الدركات، ورفع السعداء إلى درجات الجنات، ومن ثم قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياءه إلى الحنة.
(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي إذا وقعت الواقعة تزلزل الأرض زلزالا وتضطرب اضطرابا شديدا طولا وعرضا، فتندكّ الحصون والجبال، وتهدم البيوت والصياصي.
قال الربيع بن أنس: ترجّ بما فيها كرجّ الغربال بما فيه.
ونحو الآية قوله تعالى: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» وقوله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ».

(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي وتفتت الجبال تفتتا، وصارت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة.
(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) أي فصارت كالهباء المنبث الذي ذرته الريح وفرقته. وقال قتادة: صارت كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح.
والخلاصة- إن الجبال تزول عن أماكنها حينئذ، وتنسف نسفا، وتكون كالعهن المنفوش.
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) أي وصرتم أصنافا ثلاثة، وكل صنف يذكر أو يوجد مع صنف آخر يسمى زوجا كالعينين والرجلين، فكل منهما يسمى زوجا، وهما معا زوجان، فهاهنا أزواج ثلاثة لا زوجان.
ثم فصل هذه الأزواج فقال:
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي فأصحاب الميمنة الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، أىّ شىء هم فى حالهم وصفتهم وسعادتهم؟ والمراد أنهم فى حال هى الغاية فى الحسن والكمال.
ولا يخفى ما فى هذا من تفخيم شأنهم، وتعظيم أمرهم، وأنهم بلغوا حدا لا يقدر قدره من السعادة.
(وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) أي وأصحاب المشأمة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، أي شىء هم فى حالهم؟ والمراد أنهم بلغوا الغاية فى سوء الحال.
وقال المبرد: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر، والعرب تقول اجعلنى فى يمينك، ولا تجعلنى فى شمالك، أي اجعلنى من المتقدمين ولا تجعلنى من المتأخرين اه.
أخرج أحمد عن معاذ بن جبل «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية ثم قبض بيديه قبضتين وقال هذه فى الجنة ولا أبالى وهذه فى النار ولا أبالى».