قَوْله تَعَالَى: ﴿سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان﴾ أَي: الْجِنّ وَالْإِنْس.
والثقل فِي كَلَام الْعَرَب: كل مَا يتنافس فِيهِ، ويسمون بيض النعامة ثقلا؛ لِأَنَّهُ يتنافس فِيهَا. وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " تركت فِيكُم الثقلَيْن، كتاب الله وعترتي ". وَهُوَ إِخْبَار عَن عظم قدرهما. فَإِن قيل: قد قَالَ: ﴿سنفرغ﴾ والفراغ لَا يكون إِلَّا عَن شغل، وَلَا يجوز الشّغل على الله تَعَالَى، فَكيف مَعْنَاهُ؟
وَالْجَوَاب: أَن هَذَا على طَرِيق التهديد والوعيد، كالإنسان يَقُول لغيره: سأفرغ لَك، وَإنَّهُ لم يكن فِي الْحَال فِي شغل. وَقَالَ الزّجاج: والفراغ يكون على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الْفَرَاغ من الشّغل. وَالْآخر: بِمَعْنى الْقَصْد، كَالرّجلِ يَقُول لغيره: قد تفرغت لأذاى ومكروهي أى أخذت فِي كروهى وأذاى وَيَقُول الرجل لغيره اصبر حَتَّى أتفرغ
﴿معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان (٣٣) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار﴾ لَك أَي: أقصدك وأعمدك، فَمَعْنَى قَوْله: ﴿سنفرغ لكم﴾ أَي: سنقصد ونعمد بلمؤاخذة والمجازاة.
وَأنْشد الْمبرد فِي هَذَا الْمَعْنى قَول جرير:
| (لما اتَّقى الْقَيْن الْعِرَاقِيّ [باسته] | فرغت إِلَى العَبْد الْمُقَيد فِي الحجل) |