آيات من القرآن الكريم

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
ﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٨) ﴾
﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: "يُخْرَجُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، ﴿اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَالِحِ دُونَ الْعَذْبِ وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئَانِ ثُمَّ يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِفِعْلٍ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ" (الْأَنْعَامِ -١٣٠). وَكَانَتِ الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَخْرُجُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْبَحْرِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِذَا أَمْطَرْتِ السَّمَاءُ فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ أَفْوَاهَهَا فَحَيْثُمَا وَقَعَتْ قَطْرَةٌ كَانَتْ لُؤْلُؤَةً، وَاللُّؤْلُؤَةُ: مَا عَظُمَ مِنَ الدُّرِّ، وَالْمَرْجَانُ: صِغَارُهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَمُجَاهِدٌ عَلَى الضِّدِّ مِنْ هَذَا. وَقِيلَ: "الْمَرْجَانُ" الْخَرَزُ الْأَحْمَرُ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُوَ الْيُسْرُ (١). ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
﴿وَلَهُ الْجَوَارِي﴾ السُّفُنُ الْكِبَارُ، ﴿الْمُنْشَآتُ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ: "الْمُنْشِئَاتُ" بِكَسْرِ الشِّينِ، أَيِ: الْمُنْشِئَاتُ لِلسَّيْرِ [يَعْنِي اللَّاتِي ابْتَدَأْنَ وَأَنْشَأْنَ السَّيْرَ] (٢). وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيِ الْمَرْفُوعَاتُ، وَهِيَ الَّتِي رُفِعَ خَشَبُهَا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: هِيَ مَا رُفِعَ قَلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ وَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فَلَيْسَ مِنَ الْمُنْشِئَاتِ. وَقِيلَ الْمَخْلُوقَاتُ الْمُسَخَّرَاتُ، ﴿فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ كَالْجِبَالِ جَمْعُ عَلَمٍ وَهُوَ الْجَبَلُ الطَّوِيلُ، شَبَّهَ السُّفُنَ فِي الْبَحْرِ، بِالْجِبَالِ فِي الْبَرِّ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا﴾ أَيْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حَيَوَانٍ فَإِنَّهُ هَالِكٌ ﴿فَانٍ﴾.
﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ﴾، ذُو الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ﴿وَالْإِكْرَامِ﴾، أَيْ مُكْرِمُ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ بِلُطْفِهِ مَعَ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ. ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) ﴾
﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ عباس: فأهل السموات يَسْأَلُونَهُ الْمَغْفِرَةَ وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَسْأَلُونَهُ الرَّحْمَةَ [وَالرِّزْقَ وَالتَّوْبَةَ وَالْمَغْفِرَةَ] (٣) وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُسْأَلُهُ أَهْلُ الْأَرْضِ الرِّزْقَ

(١) في "أ" البسد.
(٢) ما بين القوسين زيادة من "ب".
(٣) ما بين القوسين زيادة من "ب".

صفحة رقم 445

وَالْمَغْفِرَةَ وَتَسْأَلُهُ الْمَلَائِكَةُ أَيْضًا لَهُمُ الرِّزْقَ وَالْمَغْفِرَةَ.
﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْضِي يَوْمَ السَّبْتَ شَيْئًا (١).
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْيِيَ وَيُمِيتَ، وَيَرْزُقَ، وَيُعِزَّ قَوْمًا، وَيُذِلَّ قَوْمًا، وَيَشْفِيَ مَرِيضًا، وَيَفُكَّ عَانِيًا وَيُفَرِّجَ مَكْرُوبًا، وَيُجِيبَ دَاعِيًا، وَيُعْطِيَ سَائِلًا وَيَغْفِرَ ذَنْبًا إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَحْدَاثِهِ فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّرِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدُوسَ الْمُزَكِّي -إِمْلَاءً-أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَوْحًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، دَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، قَلَمُهُ نُورٌ وَكِتَابُهُ نُورٌ، يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ كل يوم ثلاث مائة وَسِتِّينَ نَظْرَةً، يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ" (٢).
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الدَّهْرُ كُلُّهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَانِ أَحَدُهُمَا مُدَّةُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَالْآخَرُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَالشَّأْنُ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ مُدَّةُ الدُّنْيَا: الْإِخْبَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَشَأْنُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الْجَزَاءُ وَالْحِسَابُ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ (٣).
وَقِيلَ: شَأْنُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ يُخْرِجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَاثَةَ عَسَاكِرَ، عَسْكَرًا مِنْ أَصْلَابِ الْآبَاءِ إِلَى أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ، وَعَسْكَرًا مِنَ الْأَرْحَامِ إِلَى الدُّنْيَا، وَعَسْكَرًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْقُبُورِ، ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ جَمِيعًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

(١) انظر البحر المحيط: ٨ / ١٩٣، زاد المسير: ٨ / ١١٤.
(٢) أخرجه عبد الرازق: ٢ / ٢٦٣-٢٦٤، والطبري: ٢٧ / ١٣٥، وزاد السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ٦٩٩ عزوه لابن المنذر والطبراني وأبي الشيخ في العظمة وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات. وأخرجه الحاكم: ٢ / ٤٧٤ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وانظر ابن كثير: ٤ / ٢٧٤.
(٣) انظر البحر المحيط: ٨ / ١٩٣، القرطبي: ١٧ / ١٦٦-١٦٧.

صفحة رقم 446
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية