آيات من القرآن الكريم

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ
ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳ

يَعْنِي إِذَا أَدْجَنَ وَانْعَقَدَ فِيهِ الْحَبُّ، كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي قَصِيدَتِهِ المشهورة:
[الطويل]

وَقُولَا لَهُ مَنْ يُنْبِتُ الْحَبَّ فِي الثَّرَى فَيُصْبِحُ مِنْهُ الْبَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا «١»
وَيُخْرِجُ مِنْهُ حبه في رؤوسه فَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا
وَقَوْلُهُ تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أَيْ فَبِأَيِّ الْآلَاءِ يَا مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ تُكَذِّبَانِ؟ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ بَعْدَهُ، أَيِ النِّعَمُ ظَاهِرَةٌ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مَغْمُورُونَ بِهَا لَا تَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارَهَا وَلَا جُحُودَهَا، فَنَحْنُ نقول كما قالت الجن المؤمنون به:
اللَّهُمَّ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا بِأَيِّهَا يَا رَبِّ أَيْ لَا نُكَذِّبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ الرُّكْنِ قَبْلَ أَنْ يُصْدَعَ بِمَا يُؤْمَرُ وَالْمُشْرِكُونَ يَسْتَمِعُونَ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ٢٥]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)
يَذْكُرُ تَعَالَى خَلْقَهُ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلْقَهُ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ طَرَفُ لَهَبِهَا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ يَقُولُ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ مِنْ لَهَبِ النَّارِ مِنْ أَحْسَنِهَا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ من خالص النار، وكذلك قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» «٤» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
(١) البيتان في سيرة ابن هشام ١/ ٢٢٨.
(٢) المسند ٦/ ٣٤٩.
(٣) المسند ٦/ ١٦٨.
(٤) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٠.

صفحة رقم 454

وقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ يَعْنِي مَشْرِقَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَمَغْرِبَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [الْمَعَارِجِ: ٤٠] وَذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَتَنَقُّلِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَبُرُوزِهَا مِنْهُ إِلَى النَّاسِ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [الْمُزَّمِّلِ: ٩] وَهَذَا الْمُرَادُ مِنْهُ جِنْسُ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَلَمَّا كَانَ فِي اخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مَصَالِحُ لِلْخَلْقِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَالَ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ أَرْسَلَهُمَا. وَقَوْلُهُ: يَلْتَقِيانِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ مَنَعَهُمَا أَنْ يَلْتَقِيَا بِمَا جَعَلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَرْزَخِ الْحَاجِزِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْبَحْرَيْنِ الْمِلْحُ وَالْحُلْوُ، فَالْحُلْوُ هَذِهِ الْأَنْهَارُ السَّارِحَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً [الْفُرْقَانِ: ٥٣] قد اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرَيْنِ: بَحْرَ السَّمَاءِ وَبَحْرَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطِيَّةَ وَابْنِ أَبْزَى، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ يَتَوَلَّدُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَأَصْدَافِ بَحْرِ الْأَرْضِ وَهَذَا وَإِنْ كان هكذا لكن لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ:
بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ أَيْ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا، وَهُوَ الْحَاجِزُ مِنَ الْأَرْضِ لِئَلَّا يَبْغِيَ هَذَا عَلَى هَذَا، وَهَذَا عَلَى هَذَا، فَيُفْسِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَيُزِيلُهُ عَنْ صِفَتِهِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ مِنْهُ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُسَمَّى بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا.
وَقَوْلُهُ تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ أَيْ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا، فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
[الْأَنْعَامِ: ١٣٠] وَالرُّسُلُ إِنَّمَا كَانُوا فِي الْإِنْسِ خَاصَّةً دُونَ الْجِنِّ وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْإِطْلَاقُ. وَاللُّؤْلُؤُ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْمَرْجَانُ فَقِيلَ هُوَ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ «١»، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ وَأَبُو رَزِينٍ وَالضَّحَّاكُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقِيلَ كِبَارُهُ وَجَيِّدُهُ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَحَكَاهُ عَنِ السُّدِّيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَمُجَاهِدٍ أَيْضًا وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ أَحْمَرُ اللَّوْنِ، قَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْمَرْجَانُ الْخَرَزُ الْأَحْمَرُ، قَالَ السُّدِّيُّ: وَهُوَ الْبُسَّذُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها [فَاطِرٍ: ١٢] فَاللَّحْمُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْأُجَاجِ وَالْعَذْبِ وَالْحَلِيَّةُ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَقَطَتْ قَطُّ قَطْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَتْ فِي صَدَفَةٍ إِلَّا صَارَ مِنْهَا لُؤْلُؤَةٌ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وزاد: فإذا لم تقع

(١) تفسير الطبري ١١/ ٥٨٩.

صفحة رقم 455
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية