آيات من القرآن الكريم

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘ

المترتب عليها أعمال النّاس في المواسم وآجال الدّيون والإجارات والرّهون وأوقات الحج وغيرها مما يتعلق بالحيض والنّفاس والرّضاع والعدة والايمان وغيرها «وَالنَّجْمُ» هو مالا ساق له من النّباتات. ومما يدل على أن المراد به هذا قوله «وَالشَّجَرُ» حيث عطفه عليه، لأن الشّجر من النّبات الذي له ساق حقيقة في اللّغة، فظهر أن ليس المراد به النّجم المعروف «يَسْجُدانِ» (٦) خضوعا وخشوعا له تعالى لأنهما خلقا لذلك «وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ» (٧) العدل ليقوم النّاس بالقسط في أرضه بين عباده كما هو في سمائه بين ملائكته. ثم حذر النّاس جل وعلا عن الانحراف عن طريق الرّشد فقال ما رفعت السّماء ووضعت الأرض إلّا لأجل «أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ» (٨) فتجنحوا عن الحق إلى الباطل، وتميلوا من العدل إلى العوج. ثم أمرهم بإقامته تأكيدا وتأييدا فقال «وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ» هو لسان الميزان الحسّي المادي الذي هو آلة الوزن «بالقسط» للطرفين والأحسن للبايع الترجيح خوفا من أن يخسر المشتري فيدخل البايع في قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) لذلك قال عز قوله «وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ» (٩) بأن تطففوه فتكونوا خاسرين، والأحسن أن يراد بهذا الميزان الذي جعله الله تعالى بمقابل السّماء العدل المحض في كلّ شيء، لا العدل في الوزن فقط، لأن هذا مهما بلغ لا يقابل السماء ذات الكواكب العظيمة والبناء الشّامخ «وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ» (١٠) لجميع مخلوقاته لا يختص بها عالم دون آخر،
ثم بين بعض نعمه فيها لبعض خلقه فقال «فِيها فاكِهَةٌ» عظيمة متنوعة «وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ» (١١) الأوعية التي يكون فيها التمر وهي الطّلع وقد خصه دون سائر الأشجار لأنه أعظمها نفعا وبركة، والنّخل كله نفع فثمره غذاء وفاكهة ويدخر حولا فأكثر، وشجرة يبرم من ليفه الحبال، ومن خوصه الحصر والسّلال، ومن سعفه المقاعد والتخوت، وجذوعه لا تؤثر فيها الأرضة، وتعمر كثيرا، ولذلك يجعلونها في السّقوف بخلاف بقية الأشجار، إذ لا يوجد فيها ما يوجد في النّخل من المنافع «وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ» التين ويدخل فيه كافة الحبوب «وَالرَّيْحانُ» (١٢) ذو الرّائحة الطّيبة وكلّ ذي ريح طيب من النّبات والأزهار يطلق عليه ريحان وهو نبات مخصوص معروف في

صفحة رقم 56

كافة البلاد الشّرقية بهذا الاسم وفي لغة حمير يقال له الرّزق فهذا وما تفرع عنه يخرج من الأرض المخلوقة بما فيها لكم أيها الثقلان «فَبِأَيِّ آلاءِ» نعم وأفضال «رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (١٣) أيها الإنس والجن، وقد كرر الله تعالى هذه الآية في هذه السّورة إحدى وثلاثين مرة ولم تذكر في غير هذه السّورة أبدا في جميع القرآن، وإنما وقع هذا التكرار تقريرا لنعم الله وأفضاله على خلقه، وتأكيدا على التذكير بها، وتنبيها على لزوم شكرها، وليتفكر الثقلان فيها فيفهم قدرها ويعظم أمرها ويحمد التفضل بها. أخرج الترمذي عن جابر قال خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرّحمن فسكتوا، فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن منكم ردّا، كنت كلما أتيت على قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد. وليس المراد بقوله صلّى الله عليه وسلم (ليلة الجن) اجتماعه بهم أول مرة كما ذكرنا أول سورة الجن في ج ١، ولا ما ذكرناه في الآية ٢٩ من سورة الأحقاف في ج ٢ بل هو اجتماع آخر إذ ثبت اجتماعه بهم ستّ مرات فيما أظهر لأصحابه رضوان الله عليهم، أما اجتماعه بهم فيما لم يطلع عليه أصحابه فلا يعلم مداه، وهذا الاجتماع بالمدينة، وذلك في مكة.
مطلب كيفية خلق آدم عليه السّلام وخلق الجان ومعجزات القرآن في المشرقين والمغربين وكيفية التقاء البحرين ومعنى كلّ يوم هو في شان:
«خَلَقَ الْإِنْسانَ» آدم عليه السّلام «مِنْ صَلْصالٍ» طين يابس إذا ضربته بعضه يصلصل أي بصوت فكان من شدة جفائه «كَالْفَخَّارِ» (١٤) الطّين المصنوع لبنا المطبوخ بالنار، وقد ذكرنا في الآية ٨ من سورة النّساء المارة إذ لا خلاف في آي القرآن بمثل هذه الألفاظ، لأن المعنى بينها متقارب بعضه من بعض، ولا منافاة بين هذه وبين آية خلقه من تراب أو من طين أو من حما مسنون الواردة في السّور الأخرى، لأن التراب جعل طينا ولما اختلط بالماء وعجن ضار لازبا، ولما اختمر صار حمأ، فلما زادت خمرته صار مسنونا أي طينا أسود منتنا، فلما يبس صار صلصالا، ثم خلق زوجته حواء من أقصر أضلاعه اليسرى، وجميع

صفحة رقم 57
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية