
وروى علي بن أبي طلحة عنه قال: خلق الله سبحانه الخلق كلّهم بقدر، وخلق لهم الخير والشر فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاوة.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٥٠ الى ٥٥]
وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ وحقّه واحد، قال أبو عبيدة هو نعت للمعنى دون اللفظ مجازها:
وَما أَمْرُنا إِلَّا مرة واحِدَةٌ، يعني الساعة وقيل: معناه وما أمرنا الشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة (كُنْ فَيَكُونُ) لا مراجعة فيها. كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وذكر أن هذه الآيات نزلت في القدرية.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن بقراءتي عليه في داري قال: حدّثنا الفضل ابن الفضل الكندي، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن حفص قال: حدّثنا الحسن بن حفص قال: حدّثنا سفيان عن زياد ابن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخاصمونه في القدر، فنزلت هذه الآية إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ الى آخر السورة.
وأخبرنا الحسين قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا القرماني قال: حدّثنا عبد الأعلى بن حماد قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان قال حدّثني أبو مخزوم عن سيار أبي الحكم قال: بلغنا أنّ وفد نجران قالوا: أمّا الأرزاق والأقدار فبقدر الله، وأما الأعمال فليس بقدر، فأنزل الله سبحانه فيهم إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ الى آخر الآية.
وأخبرنا الحسين قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي قال: حدّثنا ابن أبي العوام قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الصباح بن سهل البصري أبو سهل قال:
حدّثنا جعفر بن سليمان عن خالد بن سلمة عن سعيد بن عمر عن عمر بن زرارة عن أبيه قال:
كنت جالسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ الى آخر السورة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزلت هذه الآيات في ناس يكونون في آخر أمتي يكذبون بقدر الله» [١٥٧] «١».
وأخبرنا أحمد بن محمد بن يعقوب بن محمويه الفقيه بالقصر قال: حدّثنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل قال: حدّثنا الحسين بن عرفه العبدي قال: حدّثنا مروان بن شجاع الجزري عن عبد الملك بن جريج عن عطاء بن أبي رياح قال: أتيت ابن عباس وهو ينزع

في زمزم قد ابتلّت أسافل ثيابه، فقلت له: قد تكلّم في القدر، فقال: أو قد فعلوها؟، قلت:
نعم، قال: فو الله ما نزلت هذه الآية إلّا فيهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ، أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم ولا تصلّوا على موتاهم. إن أريتني أحدا منهم فقأت عينيه بإصبعيّ هاتين.
وأخبرني عقيل بن محمد الفقيه أن أبا الفرج البغدادي أخبرهم عن محمد بن جرير قال:
حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا حصين عن سعيد بن عبيده عن أبي عبد الرّحمن السلمي قال: لمّا نزلت هذه الآية إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال رجل: يا رسول الله ففيم العمل في شيء يستأنفه أو في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اعملوا فكل ميسّر، سنيسره لِلْيُسْرى وسنيسره لِلْعُسْرى» [١٥٨] «١».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن صقلاب قال: حدّثنا أبو الحسن احمد بن محمد بن عبيد الطوابيقي قال: حدّثنا علي بن حرب الطائي قال: حدّثنا أبو مسعود يعني الزجاج. قال: حدّثنا أبو سعد عن طلق بن حبيب عن كعب قال: نجد في التوراة أن القدرية يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثني موسى بن محمد بن علي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد ابن سنان قال: حدّثنا عمرو بن منصور أبو عثمان العيسي قال: حدّثني أبو أسيد الثقفي، قال: حدّثني ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: تمارينا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القدر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كل شيء بقدر حتى هذه» وأشار بإصبعه السبابة حتى ضرب على ذراعه الأيسر» [١٥٩] «٢».
وأخبرني ابن السري النحوي في (درب حاجب) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد العماني قال: أخبرنا عبد الله بن احمد بن عامر قال: حدّثنا أبي قال: حدّثني علي بن موسى الرضا قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد قال: حدّثني أبي محمد بن علي قال: حدّثني أبي علي بن الحسين قال: حدّثني أبي الحسين بن علي قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجل قدّر المقادير ودبر التدبر قبل أن يخلق آدم بألفي عام» [١٦٠] «٣».
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا عمر بن احمد بن القاسم النهاوندي قال: حدّثني أحمد بن حماد بن سفيان قال: حدّثنا السري بن عاصم الهمداني قال: حدّثنا محمد بن مصعب القرقساني
(٢) في المصادر: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، مسند أحمد: ٢/ ١١٠، وصحيح مسلم: ٨/ ٥٢.
(٣) مسند زيد: ٤٩٦. [.....]

عن الأوزاعي عن عبده بن أبي لبابة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن» [١٦١] «١».
وأخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدّثنا محمد بن المثنى قال: حدّثني إبراهيم بن أبي الوزير قال:
حدّثنا مروان بن معاوية الفزاري عن سيف «٢» الكوفي عن أبي فزارة قال: قال ابن عباس: إذا كثرت القدرية بالبصرة ائتفكت بأهلها، وإذا كثرت السبائية بالكوفة «٣» ائتفكت بأهلها «٤».
وبه عن الساجي قال: حدّثنا الحسن بن حميد قال: حدّثني عبد الله بن الحسن بن عبد الملك بن حسان الكلبي قال: حدّثني سعيد بن محمد الغساني قال: لما أخذ أبو شاكر الديصاني بالبصرة فأقرّ أنه ديصاني، وكان يجهر القول بالرفض والقدر، فقيل له: لم اخترت القول بالقدر والرفض؟، قال: اخترت القول بالقدر لأخرج أفعال العباد من قدرة الله، وأنه ليس بخالقها، فإذا جاز أن يخرج من قدرته شيء جاز أن تخرج الأشياء من قدرته كلها، واخترت القول بالرفض لأتصول بالطعن الى نقلة هذا الدين، فإذا بطل النقلة بطل المنقول.
وأخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن الدقاق قال: حدّثنا محمد ابن عبد العزيز قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدّثنا الدراوردي قال: قال لي أبو سهيل: إذا سلم عليك القدرية فردّ عليهم كما ترد على اليهود قل: وعليك.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ أشباهكم في الكفر من الأمم السالفة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ من خير أو شرع يعني الأشياع فِي الزُّبُرِ في كتب الحفظة، وقيل: في اللوح المحفوظ.
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ منهم ومن أعمالهم مُسْتَطَرٌ مكتوب محفوظ عليهم. يقال: كتبت واكتتبت وسطرت واستطرت، وقرأ واقترأت.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ بساتين وَنَهَرٍ أنهار، ووحّده لأجل رؤوس الآي. كقوله سبحانه: وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «٥»، وقال الضحاك: يعني في ضياء وسعة، ومنه النهار قال الشاعر:
ملكت بها كفي وانهرت فتقها | يرى قائم من دونها ما وراءها «٦» |
(٢) هو سيف بن عمر الأسدي الكوفي.
(٣) في المصدر: السبئية بكار.
(٤) الكامل لابن عدي: ٦/ ١١٦ يرويه عن مجاهد عن ابن عباس.
(٥) سورة القمر: ٤٥.
(٦) تاج العروس: ٧/ ١٨٤.

أي وسعت خرقها.
وقرأ الأعرج وطلحة (وَنُهُرٍ) بضمتين كأنها جمع نهار يعني لا ليل لهم.
قال الفراء: أنشدني بعض العرب:
إن تك ليليا فإني نهر | متى أتى الصبح فلا أنتظر «١» |
لولا الثريدان هلكنا بالضمر | ثريد ليل وثريد بالنهر «٢» |
قال الصادق: مدح الله المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلّا أهل الصدق.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويه قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيب بن إبراهيم البكري عن صالح بن حيان عن عبد الله بن بريده أنّه قال في قوله سبحانه وتعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ: إنّ أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى فيقرءون عليه القرآن، وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو يجلسه على منابر الدر والياقوت والزمرد والذهب والفضة بأعمالهم، فلم تقرّ أعينهم بشيء قط كما تقرّ أعينهم بذلك، ولم يسمعوا شيئا أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين، قريرة أعينهم الى مثلها من الغد.
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا سعد بن محمد بن أبي إسحاق الصيرفي قال: حدّثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثنا زكريا بن يحيى قال: حدّثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن عاصم بن ضمرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: أتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما في مسجد المدينة، فذكر بعض أصحابه الجنة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله لواء من نور وعمودا من زبرجد خلقهما قبل أن يخلق السماوات بألفي عام، مكتوب على رداء ذلك اللواء: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، محمد رسول الله، محمد خير البرية، صاحب اللواء أمام القوم» فقال علي: الحمد لله الذي هدانا بك وكرّمنا وشرفنا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا علي أما علمت أن من أحبنا وانتحل محبتنا أسكنه الله تعالى معنا» [١٦٢] «٣» وتلا هذه الآية فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة قال: حدّثنا الحسن بن أيوب. قال: حدّثنا
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٥٠، لسان العرب: ٥/ ٢٣٨ وفيه: لمتنا، بدل: هلكنا.
(٣) شواهد التنزيل: ٢/ ٤٦٩- ٤٧٠ عن المصنف.

عبد الله بن أبي زياد. قال: حدّثنا سيار قال: حدّثنا رياح القيسي عن ثور قال: بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون: يا أولياء الله انطلقوا، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: إنكم لتذهبون بنا الى غير بغيتنا، فيقال لهم: وما بغيتكم؟ فيقولون: المقعد مع الحبيب.
وسمعت أبا القاسم يقول: سمعت أبا محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم البلاذري يقول:
سمعت بكر بن عبد الرّحمن يقول: كان ذو النون المصري يحضّ أصحابه على التهجّد وقيام الليل. فإذا أحسّ منهم فتره قال: كدّوا يا أولياء الله، فإن للأولياء [في الجنة] مقعد صدق يكشف حجب يوم يرون الجليل حقّا.

سورة الرّحمن
مكية، وهي ألف وستمائة وستة وثلاثون حرفا، وثلاثمائة وإحدى وخمسون كلمة، وثمان وسبعون آية
أخبرنا الأستاذ أبو الحسين الجباري قال: حدّثت عن أحمد بن الحسن المقري قال:
حدّثنا محمد بن يحيى الكيساني قال: حدّثنا هشام البربري قال: حدّثنا علي بن حمزة الكسائي قال: حدّثنا موسى بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لكلّ شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرّحمن جلّ ذكره» [١٦٣] «١».
وأخبرني أبو الحسين أحمد بن إبراهيم العبدي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد الحبري قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك بن الفضل الكوفي قال:
حدّثنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا سلام بن سليم المدائني قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة الرّحمن رحم الله ضعفه، وأدّى شكر ما أنعم الله عليه» [١٦٤] «٢».
روى هشام بن عروة عن أبيه قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله ابن مسعود، وذلك أن أصحاب رسول الله اجتمعوا فقالوا: ما سمعت قريش القرآن يجهر به، فمن رجل يسمعهم؟
فقال ابن مسعود: أنا، فقالوا: إنّا نخشى عليك منهم، وإنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فقال: دعوني فإنّ الله سيمنعني، ثم قام عند المقام فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ، رافعا بها صوته، وقريش في أنديتها فتأمّلوا وقالوا: ما يقول ابن أم عبد؟ ثم قاموا إليه فجعلوا يضربونه وهو يقرأ حتى يبلغ منها ما شاء، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثّروا في وجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك.
(٢) تفسير مجمع البيان: ٩/ ٣٢٦.