آيات من القرآن الكريم

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
ﮬﮭﮮﮯ

قَوْله تَعَالَى: ﴿اقْتَرَبت السَّاعَة﴾ أَي: دنت الْقِيَامَة، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿أزفت الآزفة﴾، وَمثل قَوْله: ﴿اقْترب للنَّاس حسابهم﴾، وَقد روى أنس أَن النَّبِي خطب عِنْد مغيربان الشَّمْس حَتَّى كَادَت تغرب، فَقَالَ: " مَا بَقِي من الدُّنْيَا فِيمَا مضى إِلَّا كَمَا بَقِي من هَذَا الْيَوْم فِيمَا مضى مِنْهُ ". وَعَن كَعْب ووهب: أَن مُدَّة الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سنة، وَالَّذِي يمضى هُوَ الْألف السَّابِع.
وَقَوله: ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَر﴾ روى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله بمنى فانشق الْقَمَر فلقَتَيْنِ، فلقَة وَرَاء الْجَبَل، وَفلقَة دونه، وَأنزل الله تَعَالَى ﴿اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر﴾. وَعَن ابْن عَبَّاس: أَن الْمُشْركين سَأَلُوا من النَّبِي آيَة. وَرُوِيَ أَنهم قَالُوا لَهُ إِن كنت صَادِقا فشق الْقَمَر لنا حَتَّى نرى قِطْعَة مِنْهُ على أبي قبيس، وَقطعَة مِنْهُ على (قعيقعان)، فَدَعَا الله تَعَالَى وَانْشَقَّ الْقَمَر على مَا أَرَادوا، فَقَالَ النَّبِي: " اشْهَدُوا اشْهَدُوا ".

صفحة رقم 306

﴿وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر (٢) ﴾
فَإِن قيل: ابْن عَبَّاس لم يكن رأى انْشِقَاق الْقَمَر، فَكيف تصح رِوَايَته؟ وَأما ابْن مَسْعُود فقد تفرد بِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَلَو كَانَ قد انْشَقَّ الْقَمَر لرواه جَمِيع أَصْحَاب رَسُول الله، وَأَيْضًا لَو كَانَ ثَابتا لرواه جَمِيع النَّاس، ولأرخوا لَهُ تَارِيخا؛ لأَنهم قد أَرخُوا مَا دون هَذَا من الْحَوَادِث، وَإِنَّمَا معنى الْآيَة: انْشَقَّ الْقَمَر أَي: ينشق، وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة. وَيُقَال: معنى انْشَقَّ الْقَمَر أَي: انكسف.
وَالْجَوَاب: أَنه قد ثَبت انْشِقَاق الْقَمَر بالرواية الصَّحِيحَة. رَوَاهُ ابْن مَسْعُود وَجبير بن مطعم شَهدا بِالرُّؤْيَةِ، وَرَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأنس، وروى بَعضهم عَن بَعضهم عَن عبد الله بن عَمْرو، وَمن الْمُحْتَمل أَنه رُوِيَ عَن رُؤْيَة، وَقد كَانَ ابْن مَسْعُود روى هَذَا عَن [رُؤْيَته]، وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد من الصَّحَابَة، فَكَانَ ذَلِك اتِّفَاقًا مِنْهُم، ثمَّ الدَّلِيل الْقَاطِع على ثُبُوته الْآيَة.
وَقَوله إِن مَعْنَاهُ سينشق الْقَمَر. قُلْنَا: هَذَا عدُول عَن ظَاهر الْآيَة، وَلَا يجوز إِلَّا بِدَلِيل قَاطع، وَلِأَن الله تَعَالَى قَالَ:

صفحة رقم 307
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية