
تعالى مقتض لانتفاء ان يكون له امر من الأمور وفي التأويلات النجمية يشير الى قهرمانيه الحق تعالى على العالم كله ملكه وملكوته الأخروي والدنيوي يعنى لا يملك الإنسان شيأ حتى يتمكن من تحصيل ما تتمناه نفسه بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والافعال الحسنة يهبه بالاسم الواهب لمن يشاء ان يكون مظهر لطفه وجماله وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى المستدعية لاسباب حصول الدنيا من حب الدنيا الدنية المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة وموافقة الطبيعة اللئيمة يجعله باسمه المقسط لمن يشاء ان يكون مظهر صفة قهره وجلاله ولا ذلك يزيد فى ملكه ولا هذا ينقص من ملكه وكلتا يدى الرحمن ملأى سحاء وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً اقناط لهم مما علقوا به اطماعهم من شفاعة الملائكة لهم موجب لاقناطهم عن شفاعة الأصنام بطريق الاولوية وكم خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتداء والخبر هى الجملة المنفية وجمع الضمير في شفاعتهم مع افراد الملك باعتبار المعنى اى وكثير من الملائكة لا تغنى شفاعتهم عند الله شيأ من الإغناء في وقت من الأوقات اى لا تنفع شيأ من النفع وهو القليل منه او شيأ اى أحدا وليس المعنى انهم يشفعون فلا تنفع شفاعتهم بل معناه انهم لا يشفعون لانه لا يؤذن لهم كما قال تعالى إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لهم في الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ ان يشفعون اله وَيَرْضى ويراه أهلا للشفاعة من اهل التوحيد والايمان واما من عداهم من اهل الكفر والطغيان فهم من اذن الله بمعزل ومن الشفاعة بألف منزل فاذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام وفي الآية اشارة الى ان ملك الروح يشفع في حق النفس الامارة بالسوء رجاء الانسلاخ عن أوصافها الذميمة والترقي الى مقام الفناء والبقاء ولكن لا تنفع شفاعته في حقها لعلمه القديم الأزلي بعدم استعدادها للترقى من مقامها اللهم الا ان تقبل شفاعته في حق نفس رقيق الحجاب مستعد لقبول الفيض الا لهى لصفاء فطرته الاولى وبقاء قابليته الكبرى للترقى في المقامات العلية بالخروج من موافقة الطبع ومخالفة الشرع والدخول في موافقة الشريعة ومخالفة الطبيعة إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وبما فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ المنزهين عن سمات النقصان على الإطلاق اى كل يسمون كل واحد منهم تَسْمِيَةَ الْأُنْثى منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى تسمية مثل تسمية الأنثى فان قولهم الملائكة بنات الله قول منهم بان كلا منهم بنته سبحانه وهى التسمية بالأنثى فاللام في الملائكة للتعريف الاستغراقى وفي تعليقها بعدم الايمان بالآخرة اشعار بأنها في الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة فى الآخرة بحيث لا يجترى عليها الا من لا يؤمن بها رأسا قال ابن الشيخ فان قيل كيف يصح أن يقال انهم لا يؤمنون بالآخرة مع انهم كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله وكان من عادتهم أن يربطوا مركوب الميت على قبره ويعتقدون انه يحشر عليه أجيب بأنهم ما كانوا يجزمون به بل كانوا يقولون لا نحشر فان كان فلنا شفعاء بدليل ما حكى الله عنهم وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى وايضا ما كانوا يعترفون بالآخرة على وجه الذي
صفحة رقم 237
ورد به الرسل فهم لا يؤمنون بها على وجهها واعلم ان الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث وفي الحديث جبرائيل أتاني في أول ما أوحى الى فعلمنى الوضوء والصلاة قلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه اى رش بها فرجه اى محل الفرج من الإنسان بناء على انه لا فرج له وكون الملك لا فرج له لو تصور بصورة الإنسان دليل على انه ليس ذكرا ولا أنثى وفيه نظر لانه يجوز ان يكون له آلة ليست كآلة الذكر وكآلة الأنثى كما قيل بذلك في الخنثى ويقال لذلك فرج وبعضهم حمل الفرج على ما يقابل الفرج من الإزار وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ حال من فاعل يسمون اى يسمونهم والحال انه لا علم لهم بما يقولون أصلا إِنْ يَتَّبِعُونَ اى ما يتبعون في ذلك ليس بتكرار لان الاول متصل بعبادتهم اللات والعزى ومناة والثاني بعبادتهم الملائكة إِلَّا الظَّنَّ الفاسد وَإِنَّ الظَّنَّ اى جنس الظن كما يلوح به الإظهار في موقع الإضمار لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً من الإغناء فان الحق الذي هو عبارة عن حقيقة الشيء لا يدرك إدراكا معتبرا الا بالعلم والظن لا اعتداد به في شأن المعارف الحقية وانما يعتدبه في العمليات وما يؤدى إليها كمسائل علم اصول الفقه وفيه ذم للظن ودلالة على عدم ايمان المقلد وقيل الحق بمعنى العلم اى لا يقوم الظن مقام العلم وقيل الحق بمعنى العذاب اى ان ظنهم لا ينقذهم من العذاب وحقيقية هذه الآية العزيزة تحريض السالكين والطالبين على السعى والاجتهاد في السير الى الله بقطع المنازل السفلية وتصحيح المقامات العلوية الى ان يصلوا الى عين الجمع ويغرقوا في بحر التوحيد ويشهدوا الحقائق والمعاني المجردة بنور الوحدة الحقيقة الذاتية الدافعة ظلمة الكثرة النسبية لاسماء الله تعالى ثم ان الافراد يتفاوتون في حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذي لا نقص فيه لانهم انما يشهدون في حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا في الفضيلة قال بعض الكبار اصحاب الكشف الخيالى غلطهم اكثر من أصابتهم لان الخيال واسع والذي يظهر فيه يحتمل التأويلات المختلفة فلا يقع القطع بما يحصل منه الا بعلم آخر ورلء ذلك وانما كان الخيال بهذا الحكم لكونه ليست له حقيقة ونفسه بل هو امر برزخى بين حقيقتين وهما المعاني المجردة والمحسوسات فلهذا يقع الغلط في الخيال لكونه ليست له حقيقة في نفسه وانظر الى إشارته عليه السلام في الكشف الخيالى وكونه يقبل الاصابة والغلط لما أتاه جبرائيل بصورة عائشة رضى الله عنها في سرفة من حرير وقال له هذه زوجتك فقال عليه السلام ان يكن من عند الله يمضه بخلاف ما لو اتاه ذلك بطريق الوحى المعهود المحسوس له او بطريق المعاني المجردة الموجبة ليقين وللعلم فانه إذا لا يمكنه الجواب بمثل ذلك الجواب الذي يشعر بالتردد المحتمل الذي يقتضيه حضرة الخيال بحقيقتها
سيراب كن ز بحر يقين جان تشنه را | زين بيش خشك لب منشين بر سراب ريب |