
بالهمزة. والباقون: بغير همزة، ومعناهما واحد. يقال: ضازه، يضيزه، إذا نقصه حقه. يقال:
ضزت في الحكم أي جرت.
ثم قال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها يعني: الأصنام، أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ بالتقليد مَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ يعني: من عذر، وحجة لكم بما تقولون إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني: ما يعبدون، وما يتبعون إلا الظن، ولا تعرفونها أنها يقيناً آلهة، وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ يعني: يتبعون ما تشتهي أنفسهم، وعبدوه، وتركوا دين الله، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى يعني: أتاهم الكتاب، والرسول، وبين لهم طريق الهدى.
ثم قال عز وجل: أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى يعني: ما يتمنى بأن الملائكة تشفع له، فيكون الأمر بتمنيه، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى يعني: ثواب الآخرة والأولى. ويقال: أهل السموات، وأهل الأرض كلهم عبيده ويقال: له نفاذ الأمر في الآخرة، والأولى. ويقال: جميع ما فيها يدل على وحدانيته.
ثم قال: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً يعني: لا تنقطع شفاعتهم، رداً لقولهم: إنهم يشفعون لنا.
ثم استثنى فقال: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى يعني: من كان معه التوحيد، فيشفع له بإذن الله تعالى.
ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني: لا يصدقون بالبعث لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى باسم البنات، وفيه تنبيه للمؤمنين، لكي لا تقولوا مثل مقالتهم، وزجراً للكافرين عن تلك المقالة.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٨ الى ٣٢]
وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ مَّا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)

قال عز وجل: وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ يعني: ليس لهم حجة على مقالتهم إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني: ما يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن يعني: على غير يقين وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً يعني: لا يمنعهم من عذاب الله شيئا فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعني: اترك من أعرض عن القرآن، ولا يؤمن به. وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا يعني: لم يرد بعلمه الدار الآخرة، إنما يريد به منفعة الدنيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ يعني: غاية علمهم الحياة الدنيا. ويقال: ذلك منتهى علمهم، لا يعلمون من أمر الآخرة شيئاً، وهذا كقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ.
ثم قال عز وجل: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ يعني: هو أعلم بمن ترك طريق الهدى وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى يعني: من تمسك بدين الإسلام، ومعناه: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، ولا تعاقبهم، فإن الله عليم بعقوبة المشركين، وبثواب المؤمنين، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
ثم عظم نفسه بأنه غني عن عبادتهم فقال: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا يعني: ليعاقب في الآخرة الذين أشركوا، وعملوا المعاصي وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى يعني: ويثيب الذين آمنوا، وأدوا الفرائض الخمسة بإحسانهم.
ثم نعت المحسنين فقال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ قرأ حمزة والكسائي:
كبير الإثم والفحش بلفظ الوحدان، والمراد به: الجنس. والباقون: كَبائِرَ الْإِثْمِ بلفظ الجماعة. قال بعضهم: كَبائِرَ الْإِثْمِ يعني: الشرك بالله، وَالْفَواحِشَ يعني: المعاصي.
وقال بعضهم: كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ بمعنى واحد، لأن كل فاحشة كبيرة، وكل كبيرة فاحشة. وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال «الْكَبَائِرُ أَرْبَعَةٌ: الشِّرْكُ بِالله، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ الله، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ الله». وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
الكبائر سبعة. فبلغ ذلك إلى عبد الله بن عباس، فقال: هي إلى السبعين أقرب. ويقال: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة. وقيل: كل ما أصر العبد عليه فهو كبيرة، كما روي عن بعضهم أنه قال: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
قال: إِلَّا اللَّمَمَ وقال بعضهم: اللَّمَمَ هو الصغائر من الذنوب. يعني: إذا اجتنبت الكبائر، يغفر الله صغار الذنوب من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة، وهو كقوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: ٣١] قال مقاتل:
نزلت في شأن نبهان التمار، وذلك أن امرأة أتت لتشتري التمر، فقال لها: ادخلي الحانوت، فعانقها، وقبلها، فقالت المرأة: خنت أخاك ولم تصب حاجتك، فندم، وذهب إلى

رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وروى مسروق عن ابن مسعود: قال زنى العينين النظر، وزنى اليدين البطش، وزنى الرجلين المشي، وإنما يصدق ذلك الفرج، أو يكذبه. فإن تقدم كان زنى وإن تأخر كان لمماً. وقال عكرمة: اللَّمَمَ النظر، وحديث النفس، ونحو ذلك. وروى طاوس، عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى. فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ نَظَرُ النَّاظِرِ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى، وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أوْ يُكَذِّبُهُ». وقال عبد الله بن الزبير: اللَّمَمَ القبلة، واللمس باليد. وقال بعضهم: اللَّمَمَ كل ذنب يتوب عنه ولا يصر عليه. وروى منصور، عن مجاهد قال: في قوله: إِلَّا اللَّمَمَ هو الرجل يذنب الذنب، ثم ينزع عنه. وروي عن أبي هريرة:
قال: اللَّمَمَ النكاح. وذكر ذلك لزيد بن أسلم فقال: صدق إنما اللمم لمم أهل الجاهلية.
يقول الله تعالى في كتابه وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء: ٢٣]. وروي عن الحسن أنه قال: اللَّمَمَ هو أن يصيب النظرة من المرأة، والشربة من الخمر. ثم ينزع عنه. وروي عن مجاهد أنه قال: الذي يلم بالذنب، ثم يدعه. وقد قال الشاعر:
إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا | وَأيّ عَبْدِ للَّه لا أَلَمَّا |
ثم قال: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ يعني: واسع الفضل، غافر الذنوب للذين يتوبون.
ويقال: معناه رحمته واسعة على الذين يجتنبون الكبائر.
ثم قال: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ هو أعلم بحالكم منكم إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني: إذ هو خلقكم مّنَ الأرض. يعني: خلق آدم من تراب، وأنتم من ذريته. وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ يعني: كنتم صغاراً فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ كان هو أعلم بحالكم منكم في ذلك كله، فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ يعني: لا تبرؤوا أنفسكم من الذنوب، ولا تمدحوها. ويقال:
فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ يعني: لا يمدح بعضكم بعضاً. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرابَ». والمدح على ثلاثة أوجه: أوله أن يمدحه في وجهه، فهو الذي نهي عنه. والثاني: أن يمدحه بغير حضرته، ويعلم أنه يبلغه، فهو أيضاً منهي عنه.
والثالث: أن يمدحه في حال غيبته، وهو لا يبالي بلغه أو لم يبلغه، ويمدحه بما هو فيه، فلا بأس بهذا. ويقال: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ يعني: لا تطهروا أنفسكم من العيوب. وهذا كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَاحِلَةً». بِمَنِ اتَّقى يعني: من يستحق المدح، ومن لا يستحق المدح. صفحة رقم 364