آيات من القرآن الكريم

أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ
ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘ

سورة النجم
مكية إلا آية ٣٢ فمدنية وآياتها ٦٢ نزلت بعد الإخلاص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة النجم) وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنها الثريا لأنها غلب عليها التسمية بالنجم، ومعنى هوى غرب وانتثر يوم القيامة، الثاني أنه جنس النجوم، ومعنى هوى كما ذكرنا، أو انقضت ترجم الشياطين. الثالث أنه من نجوم القرآن، وهو الجملة التي تنزل، وهوى على هذا معناه نزل ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى هذا جواب القسم، والخطاب لقريش، وصاحبكم هو النبي صلى الله عليه وسلم، فنفى عنه الضلال والغيّ، والفرق بينهما: أن الضلال بغير قصد، والغيّ بقصد وتكسب وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أي ليس يتكلم بهواه وشهوته، إنما يتكلم بما يوحي الله إليه إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى يعني القرآن عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ضمير المفعول للقرآن أو للنبي صلى الله عليه وسلم، والشديد القوى: جبريل، وقيل: الله تعالى، والأول أرجح لقوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ [التكوير: ٢٠] والقوى جمع: قوة ذُو مِرَّةٍ أي ذو قوّة، وقيل: ذو هيئة حسنة، والأول هو الصحيح في اللغة فَاسْتَوى أي استوى جبريل في الجو إذ رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ب [غار] حراء، وقيل: معنى استوى: ظهر في صورته على ستمائة جناح، قد سدّ الأفق بخلاف ما كان يتمثل به من الصور إذا نزل بالوحي، وكان غالبا ما ينزل في صورة الصحابي دحية الكلبي وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى الضمير لجبريل وقيل: لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأول أصح ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى الضميران لجبريل أي دنا من سيدنا محمد ﷺ فتدلّى في الهواء، وهو عند بعضهم من المقلوب تقديره: فتدلى فدنا.
فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى القاب: مقدار المسافة، أي كان جبريل من سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام في القرب بمقدار قوسين عربيتين، ومعناه من طرف العود إلى الطرف الآخر، وقيل: من الوتر إلى العود، وقيل: ليس القوس التي يرمى بها، وإنما هي ذراع تقاس بها المقادير ذكره الثعلبي. وقال: إنه من لغة أهل الحجاز، وتقدير الكلام:
فكان مقدار مسافة جبريل من سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام مثل قاب قوسين. ثم

صفحة رقم 316

حذفت هذه المضافات، ومعنى أو أدنى أو أقرب وأو هنا مثل قوله: أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: ١٤٧] وأشبه التأويلات فيها أنه إذا نظر إليه البشر احتمل عنده أن يكون قاب قوسين أو يكون أدنى، وهذا الذي ذكرنا أن هذه الضمائر المتقدمة لجبريل هو الصحيح، وقد ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح، وقيل: إنها لله تعالى، وهذا القول يردّ عليه الحديث والعقل، إذ يجب تنزيه الله تعالى عن تلك الأوصاف من الدنو والتدلي وغير ذلك فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
في هذه الضمائر ثلاثة أقوال: الأول أن المعنى أوحى الله إلى عبده محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما أوحى.
الثاني أوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى، وعاد الضمير على الله في القولين، لأن سياق الكلام يقتضي ذلك وإن لم يتقدم ذكره، فهو كقوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر. الثالث أوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى، وفي قوله: ما أوحى إبهام مراد يقتضي التفخيم والتعظيم ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «١» أي ما كذب فؤاد محمد ﷺ ما رآه بعينه، بل صدق بقلبه أن الذي رآه بعينه حق، والذي رأى هو جبريل، يعني حين رآه بمقدار ملأ الأفق، وقيل: رأى ملكوت السموات والأرض، والأول أرجح لقوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى وقيل: الذي رآه هو الله تعالى، وقد أنكرت «٢» ذلك عائشة، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنّى أراه؟ «٣» أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى «٤» هذا خطاب لقريش، والمعنى أتجادلونه على ما يرى، وكانت قريش قد كذبت لما قال إنه رأى ما رأى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى أي لقد رأى محمد جبريل عليهما الصلاة والسلام مرة أخرى وهو ليلة الإسراء، وقيل: ضمير المفعول لله تعالى، وأنكرت ذلك عائشة، وقالت: من زعم أن محمدا رأى ربه ليلة الإسراء فقد أعظم الفرية على الله تعالى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى «٥» هي شجرة في السماء السابعة قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثمرتها كالقلال وورقها كآذان الفيلة، وسميت سدرة المنتهى لأن إليها ينتهي علم كل عالم، ولا يعلم ما وراءها إلا الله تعالى.
وقيل: سميت بذلك لأن ما نزل من أمر الله يلتقي عندها، فلا يتجاوزها ملائكة العلو إلى أسفل، ولا يتجاوزها ملائكة السفل إلى أعلى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى يعني أن الجنة التي

(١). قرأ هشام عن ابن عامر: ما كذّب الفؤاد. وقرأ الباقون بالتخفيف: ما كذب.
(٢). روى الترمذي في كتاب التفسير (٦) ص ٢٦٢ ج ٥ عن عائشة قالت: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله العزية: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم العزية على الله والله يقول: لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.. إلخ. [.....]
(٣). رواه مسلم عن أبي ذر ج ١/ ١٦١ كتاب الإيمان.
(٤). أفتمارونه على ما يرى: قرأها حمزة والكسائي أفتمرونه: بدون ألف والباقون بالألف.
(٥). ورد الحديث عن سدرة المنتهى في البخاري كتاب مناقب الأنصار ص ٢٤٨ ج ٤.

صفحة رقم 317
التسهيل لعلوم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي
تحقيق
عبد الله الخالدي
الناشر
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية