آيات من القرآن الكريم

أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

[٤٠]

[سُورَة الطّور (٥٢) : آيَة ٤٠]
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠)
هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [الطّور: ٣٣] وَقَوْلِهِ: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ [الطّور: ٣٧] إِذْ كُلُّ ذَلِكَ إِبْطَالٌ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي تَحْمِلُهُمْ عَلَى زعم انْتِفَاء النبوءة عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ وَسَائِلَ اكْتِسَابِ الْعِلْمِ بِمَا زَعَمُوهُ عَادَ إِلَى إِبْطَالِ الدَّوَاعِي الَّتِي تَحْمِلُهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ دَعْوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الَّذِي اتَّصَلَ هُوَ بِهِ، وَهُوَ أُسْلُوبُ خِطَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هُنَا: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً وَقَالَ هُنَالِكَ: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ [الطّور: ٣٧].
وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ أَمْ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ بِهِمْ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَتَوَجَّسُ خِيفَةً مِنْ أَنْ يَسْأَلَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرًا عَلَى إِرْشَادِهِمْ.
وَالتَّهَكُّمُ اسْتِعَارَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ، وَالْمَقْصُودُ، مَا فِي التَّهَكُّمِ مِنْ مَعْنَى أَنَّ مَا نَشَأَ عَنْهُ التَّهَكُّمُ أَمْرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِالْبَالِ.
وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: تَسْأَلُهُمْ لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ، أَيْ تَسْأَلُهُمْ سُؤَالًا مُتَكَرِّرًا لِأَنَّ الدَّعْوَةَ مُتَكَرِّرَةٌ، وَقَدْ شُبِّهَتْ بِسُؤَالِ سَائِلٍ.
وَتَفْرِيعُ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْمُلَازِمَةِ بَيْنَ سُؤَالِ الْأَجْرِ وَبَيْنَ تَجَهُّمِ مَنْ يَسْأَلُ وَالتَّحَرُّجِ مِنْهُ. وَقَدْ فَرَّعَ قَوْلَهُ: فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ لَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ مَا سَأَلْتَهُمْ أَجْرًا فَيَثْقُلَ غُرْمُهُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، وَالْإِثْقَالِ يَتَفَرَّعُ عَلَى سُؤَالِ الْأَجْرِ الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السُّؤَال محرج للمسؤول لِأَنَّهُ بَيْنَ الْإِعْطَاءِ فَهُوَ ثَقِيلٌ وَبَيْنَ الرَّدِّ وَهُوَ صَعْبٌ.
وَالْمَغْرَمُ بُفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، وَهُوَ الْغُرْمُ. وَهُوَ مَا يُفْرَضُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِوَضٍ يَدْفَعُهُ.
وَالْمُثْقَلُ: أَصْلُهُ الْمُحَمَّلُ بِشَيْءٍ ثَقِيلٍ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِمَنْ يُطَالَبُ بِمَا يَعْسُرُ

صفحة رقم 75
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية