آيات من القرآن الكريم

قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ
ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

وَاللُّؤْلُؤُ: الدُّرُّ. وَالْمَكْنُونُ: الْمَخْزُونُ لِنَفَاسَتِهِ عَلَى أَرْبَابِهِ فَلَا يُتَحَلَّى بِهِ إِلَّا فِي الْمَحَافِلِ وَالْمَوَاكِبِ فَلِذَلِكَ يَبْقَى عَلَى لمعانه وبياضه.
[٢٥- ٢٨]
[سُورَة الطّور (٥٢) : الْآيَات ٢٥ إِلَى ٢٨]
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً [الطّور: ٢٣]. وَالتَّقْدِيرُ: وَقَدْ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، أَيْ هُمْ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ قَدْ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ.
وَلَمَّا كَانَ إِلْحَاقُ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِهِمْ مُقْتَضِيًا مُشَارَكَتَهُمْ إِيَّاهُمْ فِي النَّعِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطّور: ٢١] كَانَ هَذَا التَّسَاؤُلُ جَارِيًا بَيْنَ الْجَمِيعِ مِنَ الْأُصُولِ والذريات سائلين ومسؤولين.
وَضَمِيرُ بَعْضُهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُتَّقِينَ [الطّور: ١٧] وعَلى ذُرِّيَّتُهُمْ [الطّور: ٢١].
وَجُمْلَةُ قالُوا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ يَتَساءَلُونَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى [طه: ١٢٠] ضَمِيرُ قالُوا عَائِدٌ إِلَى الْبَعْضَيْنِ، أَيْ يَقُولُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَسَائِلِينَ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ.
وَالْإِشْفَاقُ: تَوَقُّعُ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ ضِدُّ الرَّجَاءِ، وَهَذَا التَّوَقُّعُ مُتَفَاوِتٌ عِنْدَ الْمُتَسَائِلِينَ بِحَسْبِ تَفَاوُتِ مَا يُوجِبُهُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي أَدَاءِ حَقِّ التَّكْلِيفِ، أَوْ مِنَ الْعِصْيَانِ. وَلِذَلِكَ فَهُوَ أَقْوَى فِي جَانِبِ ذُرِّيَّاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُلْحِقُوا بِأُصُولِهِمْ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ. وَلَعَلَّهُ فِي جَانِبِ الذُّرِّيَّاتِ أَظْهَرُ فِي مَعْنَى الشُّكْرِ لِأَنَّ أُصُولَهُمْ مِنْ أَهْلِهِمْ فَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذُرِّيَّاتِهِمْ كَانُوا مُشْفِقِينَ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ مُشَاهَدَةِ سَيْرِهِمْ فِي الْوَفَاءِ بِحُقُوقِ التَّكْلِيفِ، وَكَذَلِكَ أُصُولُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ

صفحة رقم 56

حَالَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِمْ أَوْ يَسْمَعُ مِنْهُمْ إِشْفَاقَهُمْ وَاسْتِغْفَارَهُمْ. وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ مُشْفِقِينَ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَيْهِ وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ.
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مَعْنَى (فِي) الظَّرْفِيَّةُ. وَيَتَعَلَّقُ فِي أَهْلِنا بِ كُنَّا، أَيْ حِينَ كُنَّا فِي نَاسِنَا فِي الدُّنْيَا. فِ أَهْلِنا هُنَا بِمَعْنَى آلِنَا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُقَالَةُ صَادِرَةً مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يُخَاطِبُونَ ذُرِّيَّاتِهِمُ الَّذِينَ أُلْحِقُوا بِهِمْ وَلَمْ يَكُونُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ سَيَلْحَقُونَ بِهِمْ: فَالْمَعْنَى: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ مُشْفِقِينَ عَلَيْكُمْ، فَتَكُونَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ مُشْفِقِينَ لِأَجْلِكُمْ.
وَمَعْنَى فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا مَنَّ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ عَنْكُمْ فَأَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ وَوَقَانَا أَنْ يُعَذِّبَكُمْ بِالنَّارِ. فَلَمَّا كَانَ عَذَابُ الذُّرِّيَّاتِ يُحْزِنُ آبَاءَهُمْ جُعِلَتْ وِقَايَةُ الذُّرِّيَّاتِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ وِقَايَةِ آبَائِهِمْ فَقَالُوا: وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ إِغْرَاقًا فِي الشُّكْرِ عَنْهُمْ وَعَنْ ذُرِّيَّاتِهِمْ، أَيْ فَمَنَّ عَلَيْنَا جَمِيعًا وَوَقَانَا جَمِيعًا عَذَابَ السَّمُومِ.
وَالسَّمُومِ بِفَتْحِ السِّينِ، أَصْلُهُ اسْمُ الرِّيحِ الَّتِي تَهُبُّ مِنْ جِهَةٍ حَارَّةٍ جِدًّا فَتَكُونُ جَافَّةً شَدِيدَةَ الْحَرَارَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ تُهْلِكُ مِنْ يَتَنَشَّقَهَا. وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى رِيحِ جَهَنَّمَ
عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ بِالْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ، كَمَا أُطْلِقَتْ عَلَى الْعُنْصُرِ النَّارِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٢٧] وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ بِالْمَأْلُوفِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ تَعْلِيلٌ لِمِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُمْ، أَيْ كُنَّا مِنْ قَبْلِ الْيَوْمِ نَدْعُوهُ، أَيْ فِي الدُّنْيَا.
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ نَدْعُوهُ لِلتَّعْمِيمِ، أَيْ كُنَّا نَبْتَهِلُ إِلَيْهِ فِي أُمُورِنَا، وَسَبَبُ الْعُمُومِ دَاخِلٌ ابْتِدَاءً، وَهُوَ الدُّعَاءُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِذُرِّيَّاتِهِمْ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَبِنَوَالِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي دَارِ الْحَقِيقَةِ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ إِلْهَامٍ وَمَعْرِفَةٍ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ دُعَاءَ الصَّالِحِينَ لِأَبْنَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ مَرْجُوُّ الْإِجَابَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَى إِجَابَةِ دُعَاءِ

صفحة رقم 57
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية