آيات من القرآن الكريم

كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

مما تكرر ذكره في القرآن من مشاهد يوم القيامة تصويرا لهول ذلك اليوم وشدّته على ما هو المتبادر. وأسلوب الآيات قوي لاذع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وحملهم على الارعواء. وهو مما استهدفته فيما هو المتبادر أيضا.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١٧ الى ٢٨]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١)
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)
. (١) فاكهين: متلذذين.
(٢) ألتناهم: نقصناهم.
(٣) يتنازعون: هنا بمعنى يتعاطون.
(٤) لا لغو فيها ولا تأثيم: يمكن أن تكون الجملة وصفا للكأس فيكون المعنى أن الكأس الذي يشربونها لا يسكر شاربها وتجعله يفحش بالقول والإثم.
ويمكن أن تكون وصفا للجنات. وفي آيات سورة الواقعة آيات قد تفيد أنها وصف للجنات لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (٢٦).
(٥) غلمان لهم: كناية عن الخدم.
(٦) كأنهم لؤلؤ مكنون: كأن لونهم اللؤلؤ المصون.
(٧) يتساءلون: هنا بمعنى يتذاكرون ما صاروا إليه من فضل الله.
(٨) السّموم: الهواء الحار اللافح.

صفحة رقم 362

وفي هذه الآيات تنويه بمصائر المؤمنين الذين اتّقوا الله بالإيمان وصالح العمل والبعد عن الإثم مقابلة لذكر مصائر المكذبين جريا على الأسلوب القرآني.
وهي واضحة العبارة في وصف مظاهر النعيم الذي يتنعمون به وإدراكهم لما صاروا له من مظهر فضل الله وعنايته جزاء خوفهم منه واتجاههم إليه وحده. وأسلوبها شائق مغر من شأنه بعث الابتهاج والطمأنينة في المؤمنين والتنويه بأعمالهم الصالحة المرضية وحثّ عليها وتشويق غيرهم لها وهو مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر. وقد تكرر مثل هذا الوصف المستمد من مألوفات الدنيا وما فيها من صور أحسن المتع للتقريب والتمثيل.
وجملة كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ تتضمن كما هو المتبادر معنى تعقيبيا بالنسبة لما ذكر من مصير الفريقين الكفار والمتقين. فكل منهم ينال وفاقا لعمله وكسبه. وفي هذا توكيد للمبدأ القرآني المحكم المتكرر من مسؤولية الإنسان عن عمله وكسبه ونيله ما يستحق من الثواب والعقاب حسب ذلك.
تعليق على آية وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ...
والضمير في أَلَتْناهُمْ راجع إلى المؤمنين كما هو المتبادر. والجملة تعني أن الذرية التي تتبع آباءها المؤمنين بإيمان ينالون ما يناله آباؤهم دون أن ينقص من ثواب آبائهم شيء كما هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون أحاديث متنوعة في صدد هذه الآية فيها معان أخرى غير المعنى الذي ذكرناه والذي ذكره المفسرون أيضا. منها حديث رواه البغوي بطرقه عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: «إنّ الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقرّبهم عينه ثم تلا الآية». وحديث رواه البغوي كذلك عن علي بن أبي طالب قال: «سألت خديجة النبيّ ﷺ عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال هما في النار فلما رأى الكراهة في وجهها قال لو رأيت مكانهما

صفحة رقم 363

لأمعضتهما. قالت يا رسول الله فولدي منك قال في الجنّة. ثم قال إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار. ثم قرأ الآية». وحديث أورده ابن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ حسب ظنّ الراوي أنه قال: «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك فيقول يا ربّ قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به وقرأ ابن عباس الآية».
وحديث رواه الطبري بطرقه عن ابن عباس قال في هذه الآية «المؤمن ترفع له ذريته فيلحقون به وإن كانوا دونه في العمل» وقد روى مثل هذا الحديث بصيغ متقاربة عن علي بن أبي طالب وبعض علماء التابعين. وهذا من قبيل تفسير الآية كما هو واضح. وهناك حديث يرويه الطبري أيضا عن ابن عباس في الآية قال:
«من أدرك ذريته الإيمان فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة وأولادهم الصغار أيضا على ذلك» ومثل هذا مرويّ عن الضحّاك أيضا.
وليس من هذه الأحاديث شيء في كتب الأحاديث الصحيحة. ولكن ليس فيها ما لا يحتمل الصحة نصّا أو معنى. والمحصل فيها بالإضافة إلى المعنى الذي يتبادر من الآية والذي أوردناه قبل أن المؤمنين الذين لهم ذرية مؤمنة أو عاشت ذريتهم في حضانتهم وماتت قبل بلوغها يكرم الله آباءهم فيلحقها بهم في الجنة ولو لم يكن لها عمل أو عمل مواز لعمل آبائها.
وينطوي في هذا المحصل على ما هو المتبادر في جملة ما ينطوي فيها ترغيب وتبشير وتطمين للمؤمنين. على أن جملة كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ وإن كانت كما قلنا قبل قليل تتضمن معنى التعقيب على مصيري الكفار والمتقين فإن مجيئها في هذه الآية يمكن أن يكون منطويا على تقرير كون الذرية التي لا تتابع آباءها بالإيمان تجزي بما كسبت دون أن تنتفع بإيمان وعمل آبائها. وإذا صحّ هذا ونرجو أن يكون صحيحا فيكون فيه توجيه وتحذير وتنبيه واتساق مع المبادئ القرآنية المحكمة.

صفحة رقم 364
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية