آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ
ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

والخلاصة- هل فى المرئي شك أو فى أبصاركم علل؟ لا واحد منهما بموجود، فالذى ترونه حق.
(اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) أي إذا لم يمكنكم إنكارها، وتحقق أنها ليست بسحر، ولا خلل فى أبصاركم فاصلوها، وفى قوله: فاصبروا أو لا تصبروا بيان لعدم الخلاص، وانتفاء لعدم المناص فإن من لا يصبر على شىء يحاول دفعه عنه، إما بإبعاده عنه، وإما بمحقه وإزالته ولا شىء من ذلك بحاصل يوم القيامة- إلا أن عذاب الآخرة ليس كعذاب الدنيا، فإن المعذب فيها إن صبر انتفع بصبره إما بالجزاء فى الآخرة وإما بالحمد فى الدنيا فيقال ما أشجعه، وما أقوى قلبه، وإن جزع ذم وقيل فيه يجزع كالصبيان والنسوان، وأما فى الآخرة فلا مدح ولا ثواب على الصبر.
ثم علل استواء الصبر وعدمه بقوله:
(إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إنما تستوفون جزاء أعمالكم فى الدنيا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر «ولا يظلم ربّك أحدا» بل يجازى كل أحد بعمله، وإذا كان الجزاء واقعا حتما كان الصبر وعدمه سواء.
والخلاصة- إن الجزاء محتم الوقوع، لسبق الوعيد به فى الدنيا على ألسنة الرسل، ولقضاء الله به بمقتضى عدله، فالصبر وعدمه سيان حينئذ.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)

صفحة رقم 21

تفسير المفردات
فاكهين: أي طيبة نفوسهم، مسرورة بما هى فيه، وقاهم: أي حفظهم، والطعام الهنيء: ما لا يلحق المرء فيه مشقة ولا يعقبه تخمة ولا سقم، وزوّجناهم: أي قرنّاهم، والحور: واحدتهن حوراء، والحور: اسوداد المقلة، والعين: واحدتهن عيناء: أي واسعة العينين.
المعنى الجملي
بعد أن أبان ما يصيب الكافرين من العذاب الأليم الذي لا دافع له ولا مهرب منه- ذكر ما يتمتع به المؤمنون فى ذلك اليوم من صنوف اللذات فى المساكن والمآكل والمشارب والفرش والأزواج، بحسب سنن القرآن من ذكر الثواب بعد العقاب، ليتم أمر الترغيب بعد الترهيب حتى يكون المرء بين عاملين، عاملى الرهبة من بطش ربه، والرغبة فى رحمته، وكلاهما لا غنى للمرء عنه، ليكمل صلاحه، ويرعوى عن غيه، ولا يقنط من رحمة ربه.
الإيضاح
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي إن الذين خافوا ربهم وأخلصوا له العبادة فى السر والعلن، وأدّوا فرائضه، وتحلّوا بآداب دينه، وانتهوا عن معاصيه، ولم يدنّسوا أنفسهم بالآثام، ولم يدسّوا أرواحهم بالذنوب، يجازيهم ربهم جزاء وفاقا بجنات يتنعمون فيها، ويجدون ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كفاء ما قاموا به من جليل الأعمال فى الدنيا، وما حرموا منه أنفسهم من لذاتها، وما صبروا عليه من مكارهها، ابتغاء رضوانه. وهم فيها قرير والأعين طيبو النفوس، لا يشغلهم شاغل، ولا يجدون هما ولا نصبا، ولا يكدّر صفو عيشهم مكدر.

صفحة رقم 22

وقوله فى جنات ونعيم لبيان أن حالهم كحال من يتمتع بالبستان، وكالناطور الذي يحرسه وقوله: فاكهين إشارة إلى أن قلوبهم لا يشغلها همّ ولا نصب، بل هم فى لذة، وسرور، وفرح وحبور.
ثم ذكر أنهم تمتعوا بنعمة أخرى قبل هذه فقال:
(وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي وقد نجاهم ربهم من عذاب النار، فلم يمسسهم لظاها، ولم يحسوا بأذاها، فهم قد لابسوا النعم، وجانبوا النقم، وذلك هو الفوز العظيم والنعيم المقيم.
ثم ذكر أنه يقال لهم حينئذ:
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي كلوا مما رزقكم ربكم من الطيبات، واشربوا مما لذ وطاب، هنيئا: أي لا تخافون أذى ولا غائلة كما تشاهدون مثل ذلك فى طعام الدنيا وشرابها، كفاء ما قدمتم من صالح الأعمال، وآثرتم من تعب الدنيا لراحة الآخرة. قيل للربيع بن خيثم وقد صلّى طوال الليل: أتبعت نفسك، فقال:
راحتها أطلب.
ونحو الآية قوله تعالى: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ».
وفى قوله (هنيئا) إشارة إلى خلوّ المآكل والمشارب مما ينغصهما، فإن الآكل قد يخاف المرض فلا يهنأ له الطعام، أو يخاف النفاد فيحرص عليه، أو يتعب فى تحصيله وتهيئته بالطبخ والإنضاج، ولا يكون شىء من هذا فى الآخرة.
وفى قوله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إيماء إلى أن هذا إنجاز لما وعدهم ربهم به فى الدنيا، فلا منّ عليهم فيه، بل كان المن عليهم فى الدنيا، بهدايتهم للإيمان، وتوفيقهم لصالح الأعمال كما قال: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ».
ثم ذكر ما يتمتعون به من الفرش فقال:

صفحة رقم 23
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية