آيات من القرآن الكريم

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا
ﮠﮡ ﮣﮤﮥ ﮧﮨ ﮪﮫ ﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

سورة الطور
هى مكية وعدد آياتها تسع وأربعون، نزلت بعد السجدة.
عن أم سلمة «أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلى إلى جنب البيت بالطور وكتاب مسطور» أخرجه البخاري وغيره.
ومناسبتها لما قبلها:
(١) إن فى ابتداء كل منهما وصف حال المتقين.
(٢) إن فى نهاية كل منهما وعيد للكافرين.
(٣) إن كلا منهما بدئت بقسم بآية من آياته تعالى الكونية التي تتعلق بالمعاش أو المعاد، ففى الأولى أقسم بالرياح الذاريات التي تنفع الإنسان فى معاشه، وهنا أقسم بالطور الذي أنزل فيه التوراة النافعة للناس فى معادهم.
(٤) فى كل منهما أمر النبي بالتذكير والإعراض عما يقول الجاحدون من قول مختلف.
(٥) تضمنت كلتاهما الحجاج على التوحيد والبعث، إلى نحو ذلك من المعاني المتشابهة فى السورتين.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١ الى ١٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩)
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤)
أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)

صفحة رقم 16

تفسير المفردات
الطور بالسريانية: الجبل، والمراد به طور سينين، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، والمراد بالكتاب هنا: ما كتب من الكتب السماوية كالقرآن والتوراة والإنجيل، والمسطور: أي المكتوب على طريق منظم، والسطر ترتيب الحروف المكتوبة، والرّق: (بالفتح والكسر) جلد رقيق يكتب فيه، والمنشور: المفتوح الذي لا ختم عليه، والبيت المعمور: هو الكعبة المعمورة بالحجاج والمجاورين، والسقف المرفوع: هو السماء، والمسجور: أي الموقد المحمى، من سجر النار أي أوقدها وعنى به باطن الأرض وهو الذي دل عليه الكشف الحديث ولم تعرفه الأمم قديما، وقد أشارت إليه الأحاديث، فعن عبد الله بن عمر: «لا يركبنّ رجل البحر إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا، فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا».
وقد أثبت علماء طبقات الأرض (الجيلوجيا) أن الأرض كلها كبطيخة وقشرتها كقشرة البطيخة أي إن نسبة قشرة الأرض إلى النار التي فى باطنها كنسبة قشرة البطيخة إلى باطنها الذي يؤكل، فنحن الآن فوق نار عظيمة: أي فوق بحر مملوء نارا، وهذا البحر مغطى من جميع جهاته بالقشرة الأرضية المحكمة السد عليه، ومن حين إلى آخر تتصاعد من ذلك البحر نار تظهر فى الزلازل والبراكين كبركان فيزوف الذي هاج بإيطاليا سنة ١٩٠٩ م وابتلع مدينة مسّينا، والزلزلة التي حدثت باليابان سنة ١٩٢٥ م وخربت مدنا بأكملها.

صفحة رقم 17

وتمور: أي تضطرب وترتجّ وهى فى مكانها، وأصل المور التردد فى الذهاب والمجيء، وقد يطلق على السير مطلقا كما قال الأعشى:

كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحابة لا ريث ولا عجل
وأصل الخوض: السير فى الماء ثم استعمل فى الشروع فى كل شىء وغلب فى الخوض فى الباطل، كالإحضار فإنه عام فى كل شىء ثم غلب استعماله فى الإحضار للعذاب، يدعّون: أي يدفعون دفعا عنيفا شديدا بأن تغلّ أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعون إلى النار ويطرحون فيها.
المعنى الجملي
أقسم سبحانه بمخلوقاته العظيمة، الدالة على كمال قدرته، وبديع صنعته، وعدّ منها أماكن ثلاثة: الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور- لأنبياء ثلاثة كانوا ينفردون للخلوة بربهم، والخلاص من الخلق لمناجاة الخالق، فانتقل موسى إلى الطور وخاطب ربه وقال «أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا» وقال «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» وانتقل محمد إلى البيت المعمور وناجى ربه وقال «سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، وكلم يونس ربه فى البحر وقال:
«لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».
وقرن الكتاب بالطور لأن موسى كان ينزل عليه الكتاب وهو به، وقرن السقف المرفوع بالبيت المعمور ليعلم عظمة شأن محمد صلّى الله عليه وسلم، وأقسم بكل هذا على أن العذاب يوم القيامة نازل بأعدائه الذين يخوضون فى الباطل ويتخذون الدين هزوا ولعبا، فيدفعون إلى النار دفعا عنيفا ويقال لهم: هذه هى النار التي كنتم بها تكذبون، ادخلوها وقاسوا شدائدها، وسواء عليكم أجزعتم أم صبرتم مالكم منها مهرب ولا خلاص.

صفحة رقم 18

الإيضاح
(وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) أقسم سبحانه بهذا الجبل العظيم الشأن الذي كلم فوقه موسى، وأنزل عليه التوراة التي كتبت بنظام بديع، مرتب الحروف، فى رق منشور، يسهل على كل أحد أن يطلع على ما فيها من حكم وأحكام، وآداب وأخلاق.
(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) أي والكعبة التي يعمرها عشرات الآلاف الذين يهرعون إليها كل عام من أرجاء المعمورة، وينسلون إليها من كل حدب، كما يعمرها المجاورون لها تبركا بالعبادة فيها، وطلبا لقبولها عند ربهم.
(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) أي والعالم العلوي وما حوى من شموس وأقمار، وكواكب ثابتة وسيارات، وما فيه من عرشه وكرسيه وملائكته الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وما فيه من عوالم لا يحصى عدتها إلا هو، ومن جنود لا يعلم حقيقتها إلا من ذرأها كما قال «وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ».
(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي والبحر المحبوس من أن يفيض فيغرق جميع ما على الأرض ولا يبقى ولا يذر من حيوان ونبات، فيفسد نظام العالم وتعدم الحكمة التي لأجلها خلق.
وقد يكون المعنى- والبحر الموقد فى باطن الأرض بمنزلة التنّور المحمى، وقد بينا هذا فيما سبق.
ثم ذكر ما أقسم عليه فقال:
(إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ. ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) أي إن عذاب يوم القيامة لمحيط بالكافرين المكذبين بالرسل، لا يدفعه عنهم دافع، ولا يجدون من دونه مهربا، جزاء ما دنّسوا به أنفسهم من الشرك والآثام، ودسّوا به أرواحهم من التكذيب بالرسل واليوم الآخر.

صفحة رقم 19

(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) أي ليس للعذاب دافع فى ذلك اليوم الذي ترتجّ فيه السماء وهى فى أماكنها، وتتحققون أنه لا مانع من عذاب الله ولا مهرب منه.
(وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) أي وتزول الجبال من أماكنها، وتسير عن مواضعها كسير السحاب، وتطير فى الهواء ثم تقع على الأرض مفتتة كالرمل ثم تصير كالعهن (الصوف المندوف) ثم تطيرها الرياح فتكون هباء منثورا كما دل على ذلك ما جاء فى سورة النمل والحكمة فى مور السماء وسير الجبال- الإعلام والإنذار بأن لا رجوع ولا عودة إلى الدنيا لخرابها وعمارة الآخرة.
ثم بين من سيقع عليه العذاب حينئذ فقال:
(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) أي فإذا حدث ما ذكر من مور السماء وسير الجبال فهلاك يومئذ للمكذبين الذين يخوضون فى الباطل، ويندفعون لاهين، لا يذكرون حسابا، ولا يخافون عقابا.
(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) أي يوم يدفعون ويساقون إلى نار جهنم دفعا عنيفا.
فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها تقريعا وتوبيخا:
(هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) أي هذه النار التي تشاهدونها هى التي كنتم بها تكذبون فى الدنيا، وتكذيبهم بها تكذيب للرسول الذي جاء بخبرها، وللوحى الناطق بها.
ثم تهكم بهم وأنّبهم فقال:
(أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ؟) كان المشركون فى الدنيا ينسبون إلى محمد صلى الله عليه وسلّم أنه يسحر العقول ويغطى الأبصار، فأنبهم على ما قالوا مستهزئا بهم وقال لهم: هل ما ترونه بأعينكم مما كنتم تنبئون به فى الدنيا من العذاب- حق، أو سحرتم أيضا كما كان يفعل بكم محمد فى الدنيا، أو قد غطّيت أبصاركم فلا ترى شيئا؟
بلى إنه لحق فلم تسحر أعينكم ولم تغطّ أبصاركم.

صفحة رقم 20
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية