آيات من القرآن الكريم

وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا
ﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬ

الْإِطْلَاقِ أَلَّا يَقِيَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَحَدٌ بِشَفَاعَةٍ أَوْ مُعَارَضَةٍ.
وَزِيدَتْ مِنْ فِي النَّفْيِ لِتَحْقِيقِ عُمُومِ النَّفْيِ وَشُمُولِهِ، أَيْ نَفْيُ جِنْسِ الدَّافِعِ.
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُكَلِّمَهُ فِي أَسَارَى بَدْرٍ فَدُفِعْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ وَالطُّورِ إِلَى إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي»، وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَسْلَمْتُ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ أَقْوَمَ مِنْ مَقَامِي حَتَّى يَقَعَ بِي الْعَذَاب».
[٩- ١٢]
[سُورَة الطّور (٥٢) : الْآيَات ٩ إِلَى ١٢]
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢)
يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ بقوله: لَواقِعٌ [الذاريات: ٧] عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ فَيَكُونَ قَوْلُهُ: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ تَفْرِيعًا عَلَى الْجُمْلَةِ كُلِّهَا وَيَكُونُ الْعَذَابُ عَذَابَ الْآخِرَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ [الذاريات: ٧]، فَيَكُونَ يَوْمَ مُتَعَلِّقًا بِالْكَوْنِ الَّذِي بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وَقُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ، فَلَمَّا قُدِّمَ الظَّرْفُ اكْتَسَبَ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مُتَّبَعٌ فِي الظُّرُوفِ وَالْمَجْرُورَاتِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى عَوَامِلِهَا فَلِذَلِكَ قُرِنَتِ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ بِالْفَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ: إِنْ حَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمُ فَوَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ.
وَقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أُرِيدُ بِهِ التَّأْكِيدُ لِلظَّرْفِ فَحَصَلَ تَحْقِيقُ الْخَبَرِ
بِطَرِيقَيْنِ طَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، وَطَرِيقِ التَّأْكِيدِ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً الْآيَةَ، تَصْرِيحٌ بِيَوْمِ الْبَعْثِ بَعْدَ أَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ تَضَمُّنًا بِقَوْلِهِ: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ فَحَصَلَ بِذَلِكَ تَأْكِيدُهُ أَيْضًا.
وَالْمَوْرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ: التَّحَرُّكُ بِاضْطِرَابٍ، وَمَوْرُ السَّمَاءِ هُوَ

صفحة رقم 41

اضْطِرَابُ أَجْسَامِهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ وَاخْتِلَالِ نِظَامِهَا وَذَلِكَ عِنْدَ انْقِرَاضِ عَالَمِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَسَيْرُ الْجِبَالِ: انْتِقَالُهَا مِنْ مَوَاضِعِهَا بِالزَّلَازِلِ الَّتِي تَحْدُثُ عِنْدَ انْقِرَاضِ عَالَمِ الدُّنْيَا، قَالَ تَعَالَى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ [الزلزلة: ١- ٦].
وَتَأْكِيدُ فِعْلَيْ تَمُورُ وتَسِيرُ بِمَصْدَرَيْ مَوْراً وسَيْراً لِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ، أَيْ هُوَ مَوْرٌ حَقِيقِيٌّ وَتَنَقُّلٌ حَقِيقِيٌّ.
وَالْوَيْلُ: سُوءُ الْحَالِ الْبَالِغِ مُنْتَهَى السُّوءِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧٩] وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي آخِرِ الذَّارِيَاتِ.
وَالْمَعْنَى: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ الْآنَ. وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ لِلْمُكَذِّبِينَ لِعِلْمِهِ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَالْقُرْآنِ فَاسْمُ الْفَاعِلِ فِي زَمَنِ الْحَالِ.
وَالْخَوْضُ: الِانْدِفَاعُ فِي الْكَلَامِ الْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ. وَالْمُرَادُ خَوْضُهُمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ مِثْلَ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦] وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الْأَنْعَام: ٦٨].
وفِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ الْمُلَابَسَةُ الشَّدِيدَةُ كَمُلَابَسَةِ الظَّرْفِ لِلْمَظْرُوفِ، أَيْ الَّذِينَ تَمَكَّنَ مِنْهُمُ الْخَوْضُ حَتَّى كَأَنَّهُ أَحَاطَ بِهِمْ.
ويَلْعَبُونَ حَالِيَّةٌ. وَاللَّعِبُ: الِاسْتِهْزَاءُ، قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ [التَّوْبَة: ٦٥].

صفحة رقم 42
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية