آيات من القرآن الكريم

وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ
ﯤﯥ ﯧﯨ ﯪﯫ ﯭﯮ ﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

تَفْسِيرُ
سُورَةِ الذَّارِيَاتِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤)
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)
قَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رضي الله عنه، وَشُعْبَةَ أَيْضًا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ أَبِي الطفيل أنه سمع عليا رضي الله عنه، وَثَبَتَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أَنَّهُ صَعِدَ مِنْبَرَ الْكُوفَةِ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عن آية في كتاب الله تعالى، ولا عن سنة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِذَلِكَ، فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ الْكُوَّاءِ، فَقَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً قال علي رضي الله عنه، الريح، قال:
فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال رضي الله عنه: السحاب، قال: فَالْجارِياتِ يُسْراً قال رضي الله عنه:
السفن، قال: فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً قال رضي الله عنه الْمَلَائِكَةُ «١».
وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ الْعَطَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّمِيمِيُّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المؤمنين، فأخبرني عن الذاريات ذروا، فقال رضي الله عنه: هِيَ الرِّيَاحُ، وَلَوْلَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول مَا قُلْتُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا، قال رضي الله عنه هِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَلَوْلَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ، قال: فأخبرني عن الجاريات يسرا، قال رضي الله عنه: هِيَ السُّفُنُ، وَلَوْلَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ. ثم أمر بضربه فَضُرِبَ مِائَةً وَجُعِلَ فِي بَيْتٍ، فَلَمَّا بَرَأَ دعا به فضربه مِائَةً أُخْرَى وَحَمَلَهُ عَلَى قَتْبٍ وَكَتَبَ إِلَى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: امْنَعِ النَّاسَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حتى أتى أبا موسى رضي الله عنه، فَحَلَفَ بِالْأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ يَجِدُ شَيْئًا، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر: ما إخاله إلا قد صَدَقَ فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُجَالَسَةِ النَّاسِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: فَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ لَيِّنٌ، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَامٍ لَيْسَ مِنْ أصحاب
(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٤٤٢، ٤٤٣.

صفحة رقم 386

الْحَدِيثِ. قُلْتُ: فَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَفْعُهُ وَأَقْرَبُ ما فيه أنه موقوف على عمر رضي الله عنه، فَإِنَّ قِصَّةَ صَبِيغِ بْنِ عَسَلٍ مَشْهُورَةٌ مَعَ عمر رضي الله عنه، وَإِنَّمَا ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ فيما يسأل تعنتا وعنادا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي تَرْجَمَةِ صَبِيغٍ مُطَوَّلَةً، وَهَكَذَا فسرها ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالذَّارِيَاتِ الرِّيحُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِالْحَامِلَاتِ وَقْرًا السَّحَابُ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهَا تَحْمِلُ الْمَاءَ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: [المتقارب]

وَأَسْلَمْتُ نَفْسِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا «١»
فَأَمَّا الْجَارِيَاتُ يُسْرًا فَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا السُّفُنُ، تَجْرِي مُيَسَّرَةً فِي الْمَاءِ جَرْيًا سَهْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ النُّجُومُ تَجْرِي يُسْرًا فِي أَفْلَاكِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ تَرَقِّيًا مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، فَالرِّيَاحُ فَوْقَهَا السَّحَابُ، وَالنُّجُومُ فوق كذلك، وَالْمُقَسِّمَاتُ أَمْرًا الْمَلَائِكَةُ فَوْقَ ذَلِكَ تَنْزِلُ بِأَوَامِرِ اللَّهِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ، وَهَذَا قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل على وقوع المعاد، ولهذا قال تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ أَيْ لَخَبَرُ صِدْقٍ وَإِنَّ الدِّينَ وَهُوَ الْحِسَابُ لَواقِعٌ أَيْ لَكَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.
ثُمَّ قَالَ تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذات الجمال والبهاء وَالْحُسْنِ وَالِاسْتِوَاءِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مَالِكٍ وَأَبُو صَالِحٍ وَالسُّدِّيُّ وقَتَادَةُ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمَا مِثْلُ تَجَعُّدِ الْمَاءِ وَالرَّمْلِ وَالزَّرْعِ، إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ فينسج بعضه بعضا طَرَائِقَ، فَذَلِكَ الْحُبُكُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمُ الْكَذَّابَ الْمُضِلَّ، وَإِنَّ رَأْسَهُ مِنْ وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ» يَعْنِي بِالْحُبُكِ الْجُعُودَةَ: وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ: ذاتِ الْحُبُكِ الشِّدَّةُ وَقَالَ خُصَيْفٌ: ذاتِ الْحُبُكِ ذَاتُ الصَّفَاقَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ:
ذَاتِ الْحُبُكِ حُبِكَتْ بِالنُّجُومِ، وَقَالَ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عنهما وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ يَعْنِي السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، وَكَأَنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ بِذَلِكَ السَّمَاءَ الَّتِي فِيهَا الْكَوَاكِبُ الثَّابِتَةُ، وَهِيَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْهَيْئَةِ فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ الَّذِي فَوْقَ السَّابِعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ تَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحُسْنُ وَالْبَهَاءُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهَا مِنْ حُسْنِهَا مُرْتَفِعَةٌ شَفَّافَةٌ صَفِيقَةٌ شَدِيدَةُ الْبِنَاءِ مُتَّسِعَةُ الأرجاء أنيقة البهاء، مكللة
(١) البيت في سيرة ابن هشام ١/ ٢٣١.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٤٤٥.

صفحة رقم 387
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية