آيات من القرآن الكريم

وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ
ﯶﯷﯸﯹ

وَالْأَيْدُ: الْقُوَّةُ. وَأَصْلُهُ جَمْعُ يَدٍ، ثُمَّ كَثُرَ إِطْلَاقُهُ حَتَّى صَارَ اسْمًا لِلْقُوَّةِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ فِي سُورَةِ ص [١٧].
وَالْمَعْنَى: بَنَيْنَاهَا بِقُدْرَةٍ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِثْلَهَا.
وَتَقْدِيمُ السَّماءَ عَلَى عَامِلِهِ لِلَاهْتِمَامِ بِهِ، ثُمَّ بِسُلُوكِ طَرِيقَةِ الِاشْتِغَالِ زَادَهُ تَقْوِيَةً لِيَتَعَلَّقَ الْمَفْعُولُ بِفِعْلِهِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِنَفْسِهِ، وَمَرَّةً بِضَمِيرِهِ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ فِي قُوَّةِ تَكَرُّرِ الْجُمْلَةِ. وَزِيدَ تَأْكِيدُهُ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.
وَالْمُوسِعُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْسَعَ، إِذَا كَانَ ذَا وُسْعٍ، أَيْ قُدْرَةٍ. وَتَصَارِيفُهُ جَائِيَّةٌ مِنَ السَّعَةِ، وَهِيَ امْتِدَادُ مِسَاحَةِ الْمَكَانِ ضِدُّ الضِّيقِ، وَاسْتُعِيرَ مَعْنَاهَا لِلْوَفْرَةِ فِي أَشْيَاءَ مِثْلَ الْإِفْرَادِ مِثْلَ عُمُومِهَا فِي وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الْأَعْرَاف: ١٥٦]، وَوَفْرَةُ الْمَالِ مِثْلَ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطَّلَاق: ٧]، وَقَوْلِهِ: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ [الْبَقَرَة: ٢٣٦]، وَجَاءَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْوَاسِعُ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ. وَهُوَ عِنْدَ إِجْرَائِهِ عَلَى الذَّاتِ يُفِيدُ كَمَالَ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ: الْوُجُودِ، وَالْحَيَاةِ، وَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْحِكْمَةِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ [الْبَقَرَة: ١١٥] وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.
وَأَكَّدَ الْخَبَرَ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَنْزِيلَ الْمُخَاطَبِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ سَعَةَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ أَحَالُوا إِعَادَةَ الْمَخْلُوقَاتِ بعد بلاها.
[٤٨]
[سُورَة الذاريات (٥١) : آيَة ٤٨]
وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨)
الْقَوْلُ فِي تَقْدِيمِ الْأَرْضَ عَلَى عَامِلِهِ، وَفِي مَجِيءِ طَرِيقَةِ الِاشْتِغَالِ كَالْقَوْلِ فِي وَالسَّماءَ بَنَيْناها [الذاريات: ٤٧]. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ.
مِنْ دَقَائِقِ فَخْرِ الدِّينِ: أَنَّ ذِكْرَ الْأُمَمِ الْأَرْبَعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَهُمْ بِمَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ وُجُودِهِمْ، وَهُوَ التُّرَابُ وَالْمَاءُ وَالْهَوَاءُ وَالنَّارُ، وَهِيَ عَنَاصِرُ الْوُجُودِ، فَأَهْلَكَ قَوْمَ لُوطٍ بِالْحِجَارَةِ وَهِيَ مِنْ طِينٍ، وَأَهْلَكَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ بِالْمَاءِ، وَأَهْلَكَ عَادًا بِالرِّيحِ وَهُوَ هَوَاءٌ، وَأَهْلَكَ ثَمُودًا بِالنَّارِ.

صفحة رقم 16
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية