آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﰖﰗﰘﰙﰚﰛ ﰝﰞﰟﰠﰡﰢ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎ

لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ. في هذا الخصام قولان: أحدهما: أنه اعتذارهم بغير عذر، قاله ابن عباس. والثاني: أنه خصامهم مع قرنائهم الذين أغوَوْهم، قاله أبو العالية. فأما اختصامهم فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا، فلا يجوز أن يُهمَل، لأنه يوم التناصف.
قوله تعالى: وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أي: قد أخبرتُكم على ألسُن الرُّسل بعذابي في الآخرة لمن كفر. ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فيه قولان: أحدهما: ما يبدَّل القول فيما وعدتُه من ثواب وعقاب، قاله الأكثرون. والثاني: ما يُكذَّب عندي ولا يغيَّر القول عن جهته، لأنِّي أعْلَمُ الغيب وأعْلَمُ كيف ضلُّوا وكيف أضللتموهم، هذا قول ابن السائب واختيار الفراء وابن قتيبة، ويدل عليه أنه قال تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ولم يقل: ما يُبَدَّل قولي وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فأَزيدَ على إساءة المُسيء، أو أنقص من إحسان المحسن.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٠ الى ٤٠]
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر وحمزة، والكسائي: «يومَ نقول» بالنون المفتوحة وضم القاف. وقرأ نافع، وأبو بكر، والمفضل عن عاصم: «يومَ يقول» بالياء المفتوحة وضم القاف. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وعبد الوارث عن أبي عمرو: «يومَ يُقال» بياء مضمومة وفتح القاف وإثبات ألف. قال الزجاج: وانتصاب «يومَ» على وجهين، أحدهما: على معنى: ما يُبدَّل القولُ لديَّ في ذلك اليوم. والثاني: على معنى: وأَنْذِرْهم يومَ نقولُ لجهنم.
فأمّا فائدة سؤاله إيّاها، وقد عَلِم هل امتلأتْ أم لا، فإنه توبيخ لمن أُدْخِلها، وزيادة في مكروهه، ودليل على تصديق قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ «١».
وفي قولها: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قولان عند أهل اللغة: أحدهما: أنها تقول ذلك بعد امتلائها، فالمعنى: هل بقي فيَّ موضعٌ لم يمتلئ؟ أي: قد امتلأتُ. والثاني: أنها تقول تغيُّظاً على من عصى اللهَ تعالى، وجَعَلَ اللهُ فيها أن تميِّز وتخاطِب، كما جَعَلَ في النّملة أن قالت: ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «٢»، وفي المخلوقات أن تسبِّح بحمده.
قوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ اي قًُرِّبَتْ للمُتَّقين الشركَ غَيْرَ بَعِيدٍ أي جُعلتْ عن يمين العرش حيث يراها أهلُ الموقف، ويقال لهم: هذا الذي ترونه ما تُوعَدُونَ، وقرأ عثمان بن

(١) الأعراف: ١٨.
(٢) النمل: ١٨.

صفحة رقم 163

عفان، وابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، وابن محيصن: «يُوعَدونَ» بالياء لِكُلِّ أَوَّابٍ وفيه أقوال قد ذكرناها في بني إسرائيل «١». وفي حَفِيظٍ قولان: أحدهما: الحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها قاله ابن عباس. والثاني: الحافظ لأمر الله تعالى، قاله مقاتل.
قوله تعالى: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ قد بيَّنّاه في (الأنبياء) «٢» وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أي: راجع إلى طاعة الله عن معصيته. ادْخُلُوها أي: يقال لهم: أُدخلوا الجنة بِسَلامٍ وذلك أنهم سَلِموا من عذاب الله، وسلموا فيها من الغُموم والتغيُّر والزَّوال، وسلَّم اللهُ وملائكتُه عليهم ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ في الجنة، لأنه لا موت فيها ولا زوال. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وذلك أنهم يَسألون الله حتى تنتهي مسائلُهم، فيُعْطَوْن ما شاؤوا، ثم يَزيدُهم ما لم يَسألوا، فذلك قوله: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ. وللمفسرين في المراد بهذا المزيد ثلاثة أقوال:
(١٣٤١) أحدها: أنه النّظر إلى الله عزّ وجلّ روى عليّ رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في قوله: «ولدينا مَزيدٌ» قال: «يتجلَّى لهم». وقال أنس بن مالك في قوله: «ولدينا مزيد» : يتجلَّى لهم الرب تعالى في كل جمعة.
(١٣٤٢) والثاني: أن السحاب يَمُرَّ بأهل الجنة، فيمطرهم الحورَ، فتقول الحور: نحن اللواتي قال الله عزّ وجل: «ولدينا مزيد»، حكاه الزجاج.
والثالث: أن الزِّيادة على ما تمنَّوه وسألوا ممّا لم تسمع به أذن ولم يخطُر على قلب بشر، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
ثم خوَّف كفار مكة بما بعد هذا إلى قوله: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ قرأ الجمهور «فنَقَّبوا» بفتح النون والقاف مع تشديدها. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن عباس، والحسن، وابن السميفع، ويحيى بن يعمر كذلك، إلا أنهم كسروا القاف على جهة الأمر تهدُّداً. وقرأ عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، وابن أبي عبلة، وعبيد عن أبي عمرو: «فنَقَبوا» بفتح القاف وتخفيفها. قال الفراء: ومعنى «فنقَّبوا» : ساروا في البلاد، فهل كان لهم من الموت مِنْ مَحِيصٍ فأُضمرت «كان» هاهنا، كقوله:
أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ «٣» أي: فلم يكن لهم ناصر. ومن قرأ «فنَقِّبوا» بكسر القاف، فإنه كالوعيد والمعنى: اذهبوا في البلاد وجيئوا فهل من الموت مِن مَحيص؟! وقال الزجاج: «نَقِّبوا» : طوِّقوا وفتِّشوا، فلم تَرَوا مَحيصاً من الموت. قال امرؤ القيس:
لقَدْ نَقَّبْتُ في الآفاقِ حتَّى... رَضِيتُ مِنَ الغنيمة بالإياب

لم أقف عليه، وهو غريب جدا.
لم أره بهذا اللفظ، وصدره ليس له أصل، وأما عجزه فقد ورد مرفوعا بسند ضعيف. أخرجه أبو يعلى ١٣٨٦ وأحمد ٣/ ٧٥ كلاهما عن أبي سعيد مرفوعا: «إن الرجل ليتكئ في الجنة مسيرة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه ويسألها: من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد... » حسنه الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٤١٩ والسيوطي في «الدر» ٦/ ١٢٧ مع أنّ فيه ابن لهيعة ضعيف، وشيخه درّاج في روايته عن أبي الهيثم ضعيف وهذا منها. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٦٤٥ بتخريجنا.
__________
(١) الإسراء: ٢٥.
(٢) الأنبياء: ٤٩.
(٣) محمد: ١٣.

صفحة رقم 164

فأمّا المَحيص فهو الَمعْدلِ وقد استوفينا شرحه في سور النساء «١».
قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ يعني الذي ذكره من إهلاك القرى لَذِكْرى أي: تذكرة وعِظَة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ قال ابن عباس: أي: عقل. قال الفراء: وهذا جائز في اللغة أن تقول: ما لَكَ قلب، وما معك قَلبُك، تريد العقل. وقال ابن قتيبة: لما كان القلب موضعاً للعقل كنى به عنه. وقال الزجاج:
المعنى: لمن صرف قلبه إلى التفهُّم أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أي: استَمَع مِنِّي وَهُوَ شَهِيدٌ أي: وقَلْبُه فيما يسمع. وقال الفراء: «وهو شهيد» أي: شاهد ليس بغائب.
قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.
(١٣٤٣) ذكر المفسرون أن اليهود قالت: خَلَقَ اللهُ السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، آخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فلذلك لا نعمل فيه شيئا، فنزلت هذه الآيات، فأكذبهم الله عزّ وجلّ بقوله: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ. قال الزجاج: واللُّغوب: التَّعب والإعياء.
قوله تعالى: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي: من بَهتهم وكذبهم. قال المفسرون: ونسخ معنى قوله:
«فاصْبِر» بآية السيف وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي: صَلِّ بالثَّناء على ربِّك والتنزيه له ممَّا يقول المُبْطِلون قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وهي صلاة الفجر. وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فيها قولان:
أحدهما: صلاة الظهر والعصر، قاله ابن عباس. والثاني: صلاة العصر، قاله قتادة.
(١٣٤٤) وروى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث جرير بن عبد الله، قال: كُنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة البدر، فقال: «إنَّكم سَترُونَ ربَّكم عِيانا كما ترون هذا القمر، لا تُضَامُّونَ في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبوا على صلاةٍ قَبْلَ طُلوع الشمس وقبل الغُروب فافعلوا» وقرأ: «فسبِّح بحمد ربِّك قبل طُلوع الشمس وقبل الغروب».
قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها صلاة الليل كلِّه، أيَّ وقت صلّى منه، قاله مجاهد. والثاني: صلاة العشاء، قاله ابن زيد. والثالث: صلاة المغرب والعشاء، قاله مقاتل.
قوله تعالى: وَأَدْبارَ السُّجُودِ قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، وخلف: بكسر الهمزة وقرأ الباقون بفتحها. قال الزجاج: من فتح ألف «أدبار» فهو جمع دُبُر، ومن كسرها فهو مصدر: أدبر يُدْبِر إدباراً.
وللمفسرين في هذا التسبيح ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الرَّكعتان بعد صلاة المغرب، روي عن عمر، وعليّ، والحسن بن عليّ، رضي الله عنهم، وأبي هريرة، والحسن، ومجاهد، والشعبي، والنّخعيّ،

ضعيف جدا. أخرجه الواحدي في «أسباب النّزول» ٧٦٩ من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس: أن اليهود أتت النّبي صلّى الله عليه وسلم... فذكره. وإسناده ضعيف جدا لضعف أبي سعد، بل هو متروك. وأخرجه الطبري ٣١٩٦٠ من طريق أبي سنان عن أبي بكر قال: جاءت اليهود النبي صلّى الله عليه وسلم فقالوا:... فذكره. وهذا معضل، وهو أصح من الموصول، والمتن منكر جدا بذكر نزول الآية، فإن السّورة مكية وسؤالات اليهود كانت في المدينة، وقد ورد نحو هذا الخبر بدون ذكر هذه الآية، وهو أصح.
صحيح. أخرجه البخاريّ ٤٨٥١ ومسلم ٦٣٣ وأبو داود ٤٧٢٩ والتّرمذي ٢٥٥١ وابن ماجة ١٧٧ والنسائي في «التفسير» ٣٥٠ من حديث جرير، ولفظ «عيانا» ليس في «الصحيحين».
__________
(١) النساء: ١٢١.

صفحة رقم 165
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية