آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ
ﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﰖﰗﰘﰙﰚﰛ ﰝﰞﰟﰠﰡﰢ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎ

بعض وتقول قط قط بعزتك ولا يزال في الجنة فضل، حتى ينشيء الله لها خلقا فيسكنهم فيها، فتقول الجنة قط قط. ولأبي هريرة بزيادة: ولا يظلم الله من خلقه أحدا. وهذا من أحاديث الصفات التي سبق البحث عنها في الآية ٢١ من سورة الفجر المارة، وذكرنا أن جمهور المتكلمين وطائفة من العلماء يصرفونها عن ظاهرها بالتأويل، فيضعون بدل القدم المقدم أي حتى يضع الله من قدم من أهل النار لقيام الدليل على استحالة الجارحية على الله تعالى، وجمهور من السلف وطائفة من المتكلمين بحروفها على ظاهرها ويؤمنون بها من غير تأويل وهو الأقرب وعليه فيكون معنى الرجل الجماعة كما تقول رجل من جراد أي جماعة منه أي يضع فيها جماعة أو قوما مسميين بلفظ الرجل القدم والإضافة هنا اختصاصية راجع تفسير هذا الحديث في شرحي البخاري ومسلم. وقال البغوي القدم والرجل في هذا الحديث من صفات الله المنزه عن الكيفية والتشبيه، والإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ والمنكر معطل، والمكيف مشبّه، وهو ليس كمثله شيء هذا والله أعلم
قال تعالى «وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ» قربت وهيئت للمتقين المساعدين عما نهوا عنه الفاعلين ما أمروا به «غَيْرَ بَعِيدٍ ٣١» مكان قريب منهم كي يروها وتقر أعينهم بها ويقال لهم «هذا ما تُوعَدُونَ» في الدنيا على لسان رسلكم وهي لكم و «لِكُلِّ أَوَّابٍ» رجاع توأب من الذنوب. «حَفِيظٍ» على حدود الله مبالغ في طاعته وهو «مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ» خافه وأطاعه وصدق رسله «بِالْغَيْبِ» وآمن به من غير أن يراه «وَجاءَ» يوم القيامة الى ربه «بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ٣٣» اليه خاضع له خاشع لهيبته مخلص لعبادته مقبل اليه بكليته فهذا وأمثاله يقال لهم «ادْخُلُوها» أي الجنة التي قرّبت إليكم «بِسَلامٍ» وأمن من زوالها وسلام من الله وملائكته عليكم «ذلِكَ» يوم يدخل أهل الجنة الجنّة، وأهل النار النّار، هو «يَوْمُ الْخُلُودِ ٣٤» لا موت ولا خروج بعده أبدا «لَهُمْ» لأهل الجنة «ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ ٣٥» لهم مما لم يخطر على بالهم وهو رؤية

صفحة رقم 265

الله عز وجل إذ لا مزيد عليه لأهل الجنة بعدها، ولهذا فان جمهور المفسرين فسروا المزيد بالجنة كما فسروا الزيادة الواردة بالآية ٢٦ من سورة يونس في ج ٢ بها وبين مزيد وزيادة مناسبة باللفظ وبالآيتين بالمعنى، والقرآن يفسر بعضه، وبعد أن بين تعالى حال أهل النار وحال أهل الجنة للذكرى والاعتبار قال مهددا أهل مكة بما فعله من قبلهم بقوله «وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ» يا محمد من الأمم الماضية الذين لم تنفعهم الذكرى ولم يعتبروا بما وقع عليهم «مِنْ قَرْنٍ» أي قرون كثيرة ممن لم يتعظ بنذرنا «هُمْ» أي المهلكون «أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً» من قومك الذين يزعمون أنهم أشداء كثيرون، وأكثر عددا وعددا، وأعظم سطوة وجولة «فَنَقَّبُوا» طافوا وتقلبوا «فِي الْبِلادِ» شرقا وغربا جنوبا وشمالا ليروا ما يعصمهم من عذاب في الدنيا فلم يجدوا ما يقيهم منه فلينظر قومك «هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ٣٦» مخلص أو مهرب لهم أو مأمن أو ملجأ من عذابي فلم يجدوا وهل وجد أحد من العصور الخالية وزرا مني؟ كلا بل لا بد من الموت والرجوع إلي، قال الحارث بن كلدة:

نقبوا في البلاد من حذر الموت وجالوا في الأرض كل مجال
وقال امرئ القيس:
وقد نقّبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
«إِنَّ فِي ذلِكَ» الذي قصصناه عليكم يا أمة محمد بشير إلى أنكم ومن قبلكم ومن بعدكم صائرون إلينا وإن هو «لَذِكْرى» عظيمة وعبرة باهرة وعظة بالغة «لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» واع وعقل ثابت وفكر ثاقب «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» لما يتلى عليه من القرآن، وسمعه سماع قبول لا يحدث نفسه بخلافه مصغيا لإرشاده «وَهُوَ شَهِيدٌ ٣٧» فطن لا غافل ولا نسيان، لأن من لا يحصر ذهنه ولبه وسمعه وبصره لآيات الله لا يدخل في هذه الآية بل يكون في عداد الذين ذكرهم الله في الآية ١٨٧ من الأعراف، الآتية أعاذنا الله من ذلك.
مطلب الآية المدنية في هذه السورة وخلق السموات والأرض والتسبيح:
وهذه الآية المدنية قال تعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما»

صفحة رقم 266

من الجن والإنس والملائكة والطير والوحش والمياه وغيرها «فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا» لحقنا ولا أصابنا «مِنْ لُغُوبٍ ٣٨» إعياء أو تعب فكيف تستعظمون علينا إعادتكم أيها الناس وهي لا شيء بالنسبة لهذا الذي لا تفي به القوى لأنه أعظم من الخلق كله راجع الآية ٥٧ من سورة غافر من ج ٢، وهذه الآية أيضا كالمستطردة بالنسبة لما قبلها وبعدها كسائر الآيات المدنيات في المكيات، وسبب نزولها أن اليهود قالوا أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش فلذلك تركوا العمل فيه كما هو موجود في التوراة الموجودة الآن راجع الاصحاح الأول والثاني من التكوين في التوراة، فكذّبهم الله عز وجل في هذه الآية، نافيا عن ذاته المقدسة التعب والاعياء المستلزمين للراحة. ومما يدل على كذبهم أن الأيام أزمنة مستمرة بعضها بعد بعض فلو كان بدأ خلقها بالأحد كما يزعمون لكان الزمان مخلوقا قبل الأيام مع أن الزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل خلق الأجسام لأن اليوم عبارة عن سير الشمس من طلوعها إلى غروبها وقبل خلق السموات والأرض ما كان شمس ولا قمر لأن اليوم يطلق ويراد به الوقت والحين وقد يعبر به عن مدة من الزمن أيّ مدة كانت فبطل قول اليهود وثبت التحريف في التوراة الموجودة الآن بين أيديهم وأن ما ينسبونه إلى الله من الاستراحة والاستلقاء محض زور وبهتان تعالى الله عنهما علوا كبيرا. انتهت الآية المدنية. قال تعالى «فَاصْبِرْ» يا حبيبي «عَلى ما يَقُولُونَ» فيك من التكذيب والبهتان فإني بالمرصاد لهم، يعلمون أنهم يجحدون آياتي بتكذبيك راجع الآية ٣٢ من الأنعام في ج ٢ وإنما أمره ربه بالصبر مع تطاولهم عليه الذي كاد أن يمحق صبره لأنه لم يؤمر بقتالهم بعد «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» إنما أمره بالتسبيح فيه لأنه سيفرض عليه وعلى أمته فيه صلاة الصبح كما في أزله وكذلك الأمر في قوله «وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ٣٩» لأنه ستفرض فيه صلاة المغرب وقبله صلاتا الظهر والعصر «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ» أيضا حيث يفرض فيه صلاة العشاءين وتسمى فيه النافلة والتهجد «وَأَدْبارَ السُّجُودِ ٤٠»

صفحة رقم 267

سبحه بعده أيضا والسجود كان يفعله صلّى الله عليه وسلم قبل فرض الصلاة إذ أنه سجد في آخر اقرأ والنجم وغيرها، والمراد من هذه الآية مطلق التسبيح لأن الصلاة التي فيها التسبيح لم تفرض بعد وقال علي وعمر رضي الله عنهما: المراد بأدبار السجود الركعتان بعد المغرب (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) الآية الأخيرة من سورة الطور في ج ٢ الركعتان قبل الصبح إلا أن هذه بكسر الهمزة إذ يراد بها ذهابها لجهة سيرها الذي تغيب فيه عن يمين الرائي وهناك بفتح الهمزة حيث يراد بالإدبار البعدية المطلقة، أي سبحه بعد كل سجود حين الهدى اليه، لأن التسبيح يكون فيه وهو المراد هنا وإن كان مطلوبا في غيره وفي كل حال، إذ ينبغي للانسان أن لا يغفل عن ذكر الله كما جاء في الآية ١٩١ من آل عمران في ج ٣ وبعض المفسرين يجوزه في هذا أيضا ويقولون ان المراد بآية الطور الركعتان قبل الصبح. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. يعني سنة الفجر. وروى البخاري عن ابن عباس قال: أمر رسول الله أن يسبح في أدبار الصلوات كلها. وهذا كله كان بعد فرض الصلاة، ولا يخفى أن عائشة وابن عباس كانا صغيرين دون سن التمييز، حيث كان سن عائشة عند الهجرة سبع سنين، وابن عباس أربع سنين، بما يدل على أن ليس المراد بها السجود في الصلاة ولذلك قال بعضهم المراد بالتسبيح هنا التسبيح بعد الصلاة مستدلا بما رواه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر. وفي حديث ابن عباس المتقدم أن هذا
جاء بمعرض الثواب لمن لا يقدر على تحصيله من جهة أخرى. يدل على هذا ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن نفرا من المسلمين أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ذهب أهل الوتور بالأجور وفي رواية بالدرجات والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا صلوا كما صلينا، وجاهدوا كما جاهدنا، وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال، قال:

صفحة رقم 268
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية